وحدها هي وارثة الأرض بعد ذلك ... إن وجود البذرة المسلمة في الأرض شيء عظيم في ميزان الله تعالى ... شيء يستحق منه سبحانه أن يدمر الجاهلية وأرضها وعمرانها ومنشآتها وقواها ومدخراتها جميعًا كما يستحق منه سبحانه أن يكلأ هذه البذرة ويرعاها حتى تسلم وتنجو وترث الأرض وتعمرها من جديد ... إنها تستحق أن يسخر الله لها القوى الكونية الهائلة ... وليس من الضروري أن تكون هي الطوفان ... فما الطوفان إلا صورة من صور تلك القوى! {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}[المدثر: ٣١].
وإنه ليس عليها إلا أن تثبت وتستمر في طريقها .. وإلا أن تثق أن وليها القدير لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإنه لن يترك أولياءه إلى أعدائه إلا فترة الإعداد والابتلاء. إنه لا ينبغي لأحد يواجه الجاهلية بالإسلام أن يظن أن الله تاركه للجاهلية، وهو يدعو إلى إفراد الله سبحانه بالربوبية. إن الجاهلية تملك قواها، ولكن الداعي إلى الله يستند إلى قوة الله، والله يملك أن يسخر له بعض القوى الكونية- حينما يشاء وكيفما يشاء وأيسر هذه القوى أن يدمر على الجاهلية من حيث لا تحتسب! .
إن عصر الخوارق لم يمض، فالخوارق تتم في كل لحظة وفق مشيئة الله الطليقة، ولكن الله يستبدل بأنماط من الخوارق أنماطًا أخرى تلائم واقع كل فترة ومقتضياتها، وقد تدق بعض الخوارق على بعض العقول فلا تدركها، ولكن الموصولين بالله يرون يد الله دائمًا، ويلامسون آثارها المبدعة.
والذين يسلكون السبيل إلى الله ليس عليهم إلا أن يؤدوا واجبهم كاملًا، بكل ما في طاقتهم من جهد ثم يدعوا الأمور لله في طمأنينة وثقة، وعندما يغلبون، عليهم أن يلجأوا إلى الناصر المعين، وأن يجأروا إليه كما جأر العبد الصالح نوح ... {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}[القمر: ١٠].
ومرة أخرى نجد أن هذا القرآن لا يكشف أسراره إلا للذين يخوضون به