في كتابه، وسنوضحه بإيراد نماذج منه إن شاء الله تعالى، والنقل والجمع لا يعاب بهما الإنسان، فلقد عرف في تاريخنا أعلام تميزت كتبهم بهذه الميزة، وإن كانوا يتفاوتون في ذلك، كالسيوطي والآلوسي، وبعض هؤلاء لا تتلاشى شخصيتهم العلمية، بل تبرز واضحة المعالم، متميزة تتضاءل أمامها الجموع والنقول، فهل كانت شخصية القاسمي كذلك؟ ذلك ما سنتلمسه من أقوال النقاد، قبل أن نبدي رأينا فيه أو نصدر حكمنا عليه.
يقول أمير البيان شكيب أرسلان في مقدمته لكاب قواعد التحديث:(وإني لأوصي جميع الناشئة الإسلامية، التي تريد أن تفهم الشرع فهمًا، ترتاح إليه ضمائرها، وتعقد عليه خناصرها، أن لا تقدم شيئًا على قراءة تصانيف المرحوم الشيخ جمال القاسمي. (ويقول السيد محمد رشيد رضا في مجلة المنار المجلد السابع عشر عن القاسمي: (هو علامة الشام ونادرة الأيام، والمجدد لعلوم الإسلام، محيي السنة بالعلم والعمل، والتعليم والتهذيب والتأليف، وأحد حلقات الاتصال بين هدى السلف والارتقاء المدني الذي يقتضيه الزمن).
وإلى جانب هذين، نجد السيد محمد كرد علي، يرى أن الشيخ القاسمي ليس له شيء في مؤلفاته، سوى النقل والجمع، وكأنه يريد أن يقول إن شخصيتة غير بارزة في ثنايا كتبه.
ولكن الأستاذ ظافر القاسمي -نجل المؤلف- لا يعجبه هذا القول، ويسوغ الطريقة التي اتبعها أبوه، بأن العصر الذي عاش فيه، كان عصر جمود ولعل الكثيرين لا يرضيهم قوله هو، فكان ينقل عن العلماء الأقدمين ما يثبت به رأيه، لأن أحدًا لا يعترض عليهم، وإن نقل الإنسان قطعة من عقله، وبأن القاسمي كان ذا أسلوب جيد، يعرف هذا من قرأ مقدمة كتبه، فكان بإمكانه الاستغناء عن النقل والجمع لولا ما تقدم (١).