{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} تكوير للأمر، وتذكير لبعض آخر من موجبات الامتثال به، فإن سؤال بعضهم بعضًا بالله تعالى، بأن يقولوا: أسألك الله، وأنشدك الله على سبيل الاستعطاف يقتضي الاتقاء من مخالفة أوامره ونواهيه. وتعليق الاتقاء بالاسم الجليل لمزيد التأكيد والمبالغة في الحمل على الامتثال، بتربية المهابة وإدخال الروعة، ولوقوع التساؤل به، لا بغيره من أسمائه تعالى وصفاته. و {تَسَاءَلُونَ} أصله تتساءلون، فطرحت إحدى التائين تخفيفًا. وقرئ بإدغام تاء التفاعل في السين لتقاربهما في الهمس، وقرئ تساءلون (من الثلاثي) أي تسألون به غيركم. وقد فسر به القراءة الأولى والثانية، وحمل صيغة التفاعل على اعتبار الجمع، كما في قولك رأيت الهلال وتراءيناه -أفاده أبو السعود- وقوله تعالى:(والأرحام) قرأ حمزة بالجر عطفًا على الضمير المجرور، والباقون بالنصب عطفًا على الاسم الجليل، أي اتقوا الله والأرحام أن تقطعوها ... فإن قطيعتها مما يجب أن يتقى، أو عطفًا على محل الجار والمجرور، كقولك مررت بزيد وعمرو. ونظيره قراءة {تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} فإنهم كانوا يقرنونها في السؤال والمناشدة بالله عز وجل. ويقولون أسألك بالله وبالرحم. ولقد نبه سبحانه وتعالى حيث قرنها باسمه الجليل على أن صلتها بمكان منه، كما في قوله تعالى:{لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ}[البقرة: ٨٣]. وقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(الرحم معلقة بالعرض، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله). وروي أيضًا عن جبير بن مطعم رضي الله، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(لا يدخل الجنة قاطع، قال سفيان في رواية: (يعني قاطع الرحم)، وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(ليس الواصل بالمكافيء، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها). وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه). والأحاديث في الترغيب بصلة الرحم والترهيب من قطيعتها كثيرة .. ).