(فإن قيل الجمل المتعاطفة لا بد فيها من المناسبة، وأين هي في إنزال الحديد مع ما قبله؟ فالجواب أن بينهما مناسبة تامة، لأن المقصود ذكر ما يتم به انتظام أمور العالم في الدنيا، حتى ينالوا السعادة في الأخرى، ومن هداه الله من الخواص العقلاء، ينتظم حاله في الدارين بالكتب والشرائع المطهرة، ومن أطاعهم وقلدهم من العامة بإجراء أقوال الشرع العادلة بينهم، ومن تمرد وطغى وقسا، يضرب بالحديد الراد لكل مريد. وإلى الأولين أشار بقوله (وأنزلنا معه الكتاب والميزان)، فجمعهم واتباعهم في جملة واحدة، وإلى الثالث أشار بقوله (وأنزلنا الحديد)، فكأنه قال: أنزلنا ما يهتدي به الخواص، وما يهتدي به أتباعهم، وما يهتدي به من لم يتبعهم. فهي حينئذ معطوفه لا معترضة لتقوية الكلام كما توهم، إذ لا داعي له، وليس في الكلام ما يقتضيه بل فيه ما ينافيه).
على أن من المآخذ التي نأخذها عليه، سكوته عن نقد بعض ما ينقل من آراء، وإيراده أقوالًا متناقضة. ففي النموذج الذي أوردناه في تفسير الآية الأولى من سورة النساء في معنى قوله تعالى:{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[النساء: ١]، تفهم عبارته أنه يذهب إلى ما ذهب إليه أبو مسلم، ولكنه في آخر العبارة يفهم منه الرأي الآخر. فلا ندري ما الذي يرتئيه الشيخ، وفي نفس الآية يورد أحاديث ظاهرها التعارض، مما يجعل القارئ في حيرة دون توضيح فأولى له أن يبين المراد، أوْ لا يوردها أصلًا.
وعند تفسيره لقول الله تعالى:{قَال آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}[يونس: ٩٠] ينقل بحثًا عن إيمان فرعون، فيذكر ما قاله الشهاب، وما نسب للجلال الدواني، وأقوال غيرهما من العلماء، ثم يورد كلامًا لشيخه العطار من كتابه (الفتح المبين) في رد ما اعترض به على الشيخ محيي الدين) يرد ما قال فيه عن ابن عربي بأنه يقول بنجاة فرعون، لقبول توبته، ويقرر الشيخ العطار أن ابن عربي، إنما نظر في المسألة من حيث الدليل، فلا مانع عنده من صحة الدليل على إيمانه، وقبول توبته. ولست في صدد بحث هذه القضية، لكن الذي أقوله أن الشيخ