لا يقبل منها أن تأتي بشفيع ليحصل لها نفعًا، أو يدفع عنها ضررًا، والآية الكريمة قد نفت قبول الشفاعة من أحد نفيًا مطلقًا، ولكن هناك آيات كريمة تنفي قبول الشفاعة إلا ممن أذن له الرحمن في ذلك من هذه الآيات قوله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}[البقرة: ٢٥٥] وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}[طه: ١٠٩].
وللجمع بين هذه الآيات تحمل الآيات التي تنفي الشفاعة نفيًا مطلقًا، على أنها واردة في شأن النفس الكافرة، وتحمل الآيات التي تبيح الشفاعة على أنها واردة في شأن المؤمنين، إذا أذن الله فيها للشافعين، وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوي، في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ستكون له شفاعة، في دفع العذاب عن أقوام مؤمنين، وتخفيفه عن أهل الكبائر من المسلمين، من ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(أعطيت خمسًا لم يعطهن نبي قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا طهورًا، وجعلت أمتي خير الأمم، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت أنا إلى الناس عامة).
قال الإمام ابن جرير (وهذه الآية وإن كان مخرجها عامًا في التلاوة، فإن المراد بها خاص في التأويل، لتظاهر الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. وأنه قال ليس من نبي: إلا وقد أعطي دعوة، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئًا. فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين، بشفاعة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لهم، عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم، وأن قوله:{وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ}، إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل)(١).