للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣].

ثم بشره سبحانه ببشارة أخرى فقال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} والشانئ: هو المبغض لغيره يقال: شنأ فلان فلانًا شنئًا إذا أبغضه وكرهه، والأبتر في الأصل: هو الحيوان المقطوع الذنب والمراد به هنا الإنسان الذي لا يبقى له ذكر، ولا يدوم له أثر.

شبه بقاء الذكر الحسن بذنب الحيوان؛ لأنه تابع له، وهو زينته، وشبه الحرمان من ذلك ببتر الذيل وقطعه.

والمعنى: إن مبغضك وكارهك أيها الرسول الكريم هو المقطوع عن كل خير، والمحروم من كل ذكر حسن.

قال الإمام ابن كثير: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله تعالى هذه السورة.

وقال السدي: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا: بتر، فلما مات أبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- قالوا: بتر محمد فأنزل الله هذه الآية.

وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر إذا مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره، وحاشا وكلا، بل أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرًا على دوام الآباد، إلى يوم الحشر والمعاد، صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم التناد (١).

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل شفاعته يوم القيامة (٢).

هذه النماذج السبعة تعطي صورة واضحة عما تحدثت عنه من قبل، ويظهر فيها جليًّا إعمال الفكر وإجالته، في تجلية النص وإظهار أسراره البلاغية، دون الوقوف


(١) راجع تفسير ابن كثير (٧/ ٥٢٥).
(٢) التفسير الوسيط (١٥/ ٧٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>