للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البقرة: ٥٥] يقولان: (وفي ندائهم لنبيهم باسمه (يا موسى)، سوء أدب منهم معه، لأنه كان من الواجب عليهم، أن يقولوا له: يا رسول الله أو يا نبي الله، من الصيغ التي تشعر بصفات التعظيم والتوقير، وقد تكررت مناداتهم باسمه مجردًا في كثير من المواطن.

ومن أدب الصحابة مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يقولون له: يا رسول الله، استجابة لأمر الله تعالى في قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: ٦٣] (١).

وجاء عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} [البقرة: ٥٨]: (وقد أمرهم سبحانه أن يدخلوا باب المدينة التي فتحوها خاضعين، وأن يلتمسوا منه مغفرة خطاياهم، لأن تغلبهم على أعدائهم ودخولهم الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، نعمة من أجلّ النعم، وهي تستدعي منهم أن يشكروا الله عليها بالقول والفعل؛ لكي يزيدهم من فضله، فشأن الأخيار أن يقابلوا نعم الله بالشكر.

ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، يظهر أقصى درجات الخضوع لله تعالى، عند النصر والظفر وبلوغ المطلوب، فعندما تم له فتح مكة دخل إليها من الثنية العليا، وإنه لخاضع لربه، حتى إن رأسه الشريف يكاد يمس عنق ناقته، شكرًا لله على نعمة الفتح، وبعد دخوله مكة اغتسل وصلى ثماني ركعات سماها بعض الفقهاء صلاة الفتح. ومن هنا استحب العلماء للفاتحين المسلمين إذا فتحوا بلدة، أن يصلوا فيها ثماني ركعات عند أول دخولها شكرًا لله تعالى. وقد فعل ذلك سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- عندما دخل إيوان كسرى، فقد ثبت أنه صلى بداخله ثماني ركعات.

ولكن ماذا كان من بني إسرائيل بعد أن أتم الله لهم نعمة الفتح؟ إنهم لم يفعلوا ما أمروا بفعله، ولم يقولوا ما كلفوا بقوله، بل خالفوا ما أمروا به من قول وفعل، ولذا قال تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: ٥٩]


(١) ص ١٨٠ - ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>