حيفا، - ورحم الله تلك الأيام - حيث كنت أسمع ما لم أسمعه من قبل، مع أنني كنت سمعت اثنين من نوابه، نواب المرشد العام وأنا طالب في المدرسة الأحمدية - مدرسة أحمد باشا الجزار في عكا - سنة ١٩٤٥ م - ١٩٤٦ م، وهما الأستاذ عبد المعز عبد الستار أكرمه الله، وأظنه لا زال حيًّا، والأستاذ سعيد رمضان - رحمه الله -. ولقد هيمن كل منهما على العاطفة والعقل، مع أنني كنت في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من العمر، لكنّ الذي سمعته من الأستاذ البنا كان نقلةً عجيبة عظيمة في حياتي، لذا لا يذكر أمامي إلا وعيناني تذرفان الدموع، لما فاتني من خير كثير من الاستماع إليه رحمه الله.
وأبكي كذلك لأني حينما أذكره ويذكر أمامي يدور في خلدي هذا الجحود من الأمة، التي تحاول تخليد ذكرى كثيرٍ من العابثين واللاعين، ومن لم يكن لهم في حياتهم إلا تلك المنزلقات التي كانت وبالًا وكان فيها البوار على الأمة.
وأبكيه ثالثًا حيث كان له ذلكم الأثر الكبير، وانتقل إلى الدار الآخرة - إن شاء الله - راضيًا مرضيًا، وهو في السنين الأولى من العقد الخاص، وكذلك شأن كثير من هؤلاء الأفذاذ الذين كان لهم هذا الأثر على قصر أعمارهم في هذه الدنيا، أذكر منهم الإمام الشافعي، والإمام النووي - رحمهما الله تعالى - وكثيرون غيرهم في القديم والحديث.
لقد كان بيت الأستاذ البنا وأسرته بدعا من كثير من البيوت، ولقد كان الأستاذ البنا من النَدَرة، بل كان الإخاذ الذي يروي كل من ورد عليه. وأحبّ أن أسجل تلكم الأخبار القصيرة، والتي هي مع قصرها عظيمة الأثر، ورب كلمة واحدة تحدث كلْما لا نجده لمقالات، بل لكتب كثيرة متعددة:
١ - سمعت من الشيخ صالح السوداني رحمه الله ونحسبه والله حسيبه من الصالحين ولا نزكي على الله أحدًا - وكانت لنا صلة به ونحن طلاب يزورنا ونستمع إلى دروسه، ونحضر معه بعض المجالس العلمية قال: لما توفي الأستاذ البنا، لما