٣ - في سنة (١٩٥٢ م) وقبل الثورة المصرية بأيام أرسلني خالي - رحمه الله - الشيخ يوسف عبد الرزاق لأحضر له كتاب الفتح الرباني من مؤلفه الشيخ أحمد البنا، وكان من المعجبين بهذا الكتاب، بل إنه كان يرى أن هذا الكتاب لا بد من طباعته والعناية به، وكان قد اشتراه، فذهبت إلى بيت الشيخ لأحضر الكتاب، وجلست مع الشيخ لأسمع منه وأفيد من حديثه، وسألني الشيخ من أين أنت؟ لأني كنت ألبس العمامة الشامية، وهي تختلف عن العمامة التي يلبسها إخواننا المصريون. قلت: من فلسطين. وهنا كان عجبي، إذ بمجرد ما نطقت بهذه الكلمة، وإذ بي أسمع من يجهش بالبكاء في جانب البيت، فقدّرت أن الذي يبكي إنما هي زوج الشيخ، وأثرّت فيّ تلك الحادثة، ولا تزال، بمجرد أن تسمع كلمة فلسطين يكون البكاء والحزن ... أي تربية هذه؟ ! وأين نجدها؟ ! عند من؟ أنجدها عند كثير من أهل فلسطين؟ ! أم نجدها عند كثير من العرب والمسلمين؟ وبقيت هذه الحادثة تتفاعل معها نفسي.
وبعد ما يزيد على ثلث قرن، ضمني لقاء مع أحمد سيف الإسلام ابن الأستاذ البنا في جمع طيب، وحدثتهم تلك الحادثة التي لا زالت وستبقى أنموذجًا حيًّا ما دمت حيا، فازداد عجبي حينما أخبرني أن هذه امرأة جده، وكان عجبي أكثر حينما أخبرني أنها تركية الأصل، وقلت في نفسي وسأقول وأظل أقول: ما أحوج المسلمين إلى هذه النماذج الحيّة التي تُربى الأجيال المسلمة على مثلها.
٤ - حينما لبّى الإخوان المسلمون دعوة الجهاد سنة ١٩٤٨ وأبلوا بلاء حسنًا في الجهاد في فلسطين يشبه المعجزات، صدرت الأوامر من الإنجليز إلى حكام مصر، وكان الملك فاروق في ذلك الوقت، وكان رئيس وزرائه محمود فهمي النقراشي باشا، صدرت الأوامر بحل جماعة الإخوان المسلمين، وإدخالهم السجون، والتضييق على المجاهدين منهم في فلسطين، وبقي الأمر كذلك إلى