للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيخنا رحمه الله من هؤلاء فكانت حياته كلها وقفًا على هذه الأمة، وذلك بما منحه الله من قلم سيال، وأسلوب بليغ، وفكر ثاقب، يمد هذا كله عقيدة راسخة.

تلقى الشيخ علومه -كما قلت- في تونس، ومن شيوخه الشيخ سالم أبو حاجب، والشيخ إبراهيم الرياحي رحمهم الله.

ولقد كان في جهاد مستمر، لم تغره الدنيا بمغرياتها المختلفة من منصب وجاه ومال، فتحول بينه وبين أن يصدع بالحق.

فقد تعرض لحكم الإعدام مرتين، بسبب استمساكه بحق الإسلام والوطن الإسلامي عليه، فكان له المقام الأوّل بين المجاهدين للاحتلال الفرنسي في تونس، ثم هاجر إلى سوريا، ولما أن حدثت الطامة بسقوط الخلافة واحتلال الفرنسيين لبلاد الشام، رحل إلى مصر محتسبًا النية في الهجرة، ولمصر طبيعة تحمد في إكرام من يفد إليها، وبخاصة إذا كان من هؤلاء الأعلام، فتضمه حنانًا وعطفًا فلا يشعر بغربة.

عمل الشيخ -كما مر- مدرسًا في كلية أصول الدين، ثم عين شيخًا للأزهر.

وهو من الشيوخ القلائل الذين تركوا هذا المنصب قبل وفاتهم.

ولقد آمن الرجل بالقرآن، وثيقة خالدة وكتاب حياة للأحياء، فكان يرمي بسهامه الصائبة، كل من أراد أن يحوم حوله، بشبهة تشكيك أو تأويل فاسد بعيد. فمواقفه وكتاباته في الرد على فريد وجدي، الذي عد معظم محكم القرآن متشابهًا (١)، وردوده على الشيخ حامد محيسن رحمه الله، في تأويل آيات قصة أيوب عليه السلام في سورة (ص) وغيرها، ورده على صاحب الفن القصصي في القرآن، ودحضه لأباطيل المستشرقين أمثال جولد تسهير، كل هذا ينبغي أن نسجله بكل إكبار للشيخ (٢) رحمه الله.


(١) وذلك قبل أن يرجع عن بعض آرائه التي لا تتفق مع جوهر القرآن الكريم.
(٢) انظر مقالاته في مجلات الفتح والهداية الإسلامية ولواء الإسلام، وقد جمعها الأستاذ علي رضا التونسي في كتاب سماه (بلاغة القرآن).

<<  <  ج: ص:  >  >>