للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الإيمان بما ظهر معناه، وإنما تكون له فائدة حيث يكون إخبارًا عن إيمانهم بالمتشابه مع عدم فهمهم للمراد منه.

ويجاب عن هذا بأن قولهم آمنا به، إيحاء إلى أن إيمانهم به هو الذي دعاهم إلى أن يسلكوا في تأويله الطريقة اللائقة به، وفي ذلك تعريض بأن من اتبعوا المتشابه ابتغاء الفتنة، وتأولوه على ما يوافق أهواءهم ليسوا بمؤمنين (١).

وقال المؤولة: إن وصف أهل العلم في الآية بالرسوخ يقتضي أن يكون الحكم المسند إليهم مما يحصل بطريق الرسوخ في العلم، فيكون الحكم المثبت لهم هو العلم بالمتشابه، لا مجرد قولهم آمنا به، فإن هذا القول لا يمتاز به الراسخون في العلم، بل يستوي فيه الراسخون في العلم وغير الراسخين، قال ابن عطية: "تسميتهم راسخين تقتضي أنهم يعلمون أكثر من الحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب، وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلمه الجميع، وما الرسوخ في العلم إلا المعرفة بتصاريف الكلام بقريحة معدة".

وأجاب أنصار مذهب المفوضة بأن فائدة وصفهم بالرسوخ في العلم المبالغة في قصر علم تأويل المتشابه على الله تعالى، لأنه إذا قيل: إن الراسخين في العلم لا يعلمونه، وذلك مفاد قوله: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} كان عدم علم غيرهم بتأويله مفهومًا بالأولى.

وأما الاستدلال بأمور خارجة عن مدلول الآية فيرجع إلى ثلاثة وجوه: القراءات والآثار وحكمة التشريع.

أما القراءات فقد استدل المفوضة بما رواه الحاكم في مستدركه أن ابن عباس كان يقرأ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ويقول الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِهِ} وهذه القراءة تدل على أن الواو في قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} للاستئناف لا لعطف الراسخين


(١) والفرق بين التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم، والتأويل الذي يبتغيه الزائغون أن الأول يقوم على الدليل، والثاني يقوم على الهوى، ابتغاء الفتنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>