للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليلًا. أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟ ولا والله ما رأينا منهم رجلًا قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم) (١) ونحن عندما نستعرض ما ورد عن الصحابة رضوان الله عليهم من روايات صحيحة، لا نجد فيها أثرًا لأهل الكتاب، بل نجد ما فسروه يرجع إلى المصادر التي ذكرناها، ولعله على العكس من ذلك، نجد أنهم كانوا لا يقبلون، بل ينفرون من كثير مما يعرض له أهل الكتاب، يناقشونهم في آرائهم. فهذا عمر رضي الله عنه، يهدد كعبًا بوجوب انتهائه عما يحدث به بقوله (لتتركن الحديث عن الأَول، أو لألحقنك بأرض القردة) (٢) وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها حينما يصل إليها أن كعبًا يقول: (لقد قسم الله كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام) تقول: (لقد قف شعري) (٣).

بعد هذه النصوص والتعليمات، لا نستطيع مطلقًا أن ندعي أن أخبار أهل الكتاب كانت مصدرًا من مصادر التفسير عند الصحابة، فضلًا على أن يتوسعوا في الأخذ عنهم، بل كانت مصادر التفسير عندهم صافية غير مستوردة، تنبع من ذاتهم وبيئتهم ولذلك لم نجد بينهم اختلافًا فيما فسروه، مع أنه لم يصل إلينا عنهم تفسير للقرآن كله (٤) والذي وصل إلينا منهم كان سهل المأخذ ميسور التناول، حتى لقد كان كثير من تفسيراتهم يوضح بالقراءات التفسيرية، مما دعا مجاهدًا أن يقول كلمته الشهيرة (لو قرأت قراءة ابن مسعود، ما احتجت أن أسأل ابن عباس عن كل ما سألته عنه) (٥) وهذه ميزات لا تجدها في الفترة التالية أعني فترة تفسير التابعين.


(١) صحيح البخاري كتاب الشهادات جـ ٣ ص ٢٣٧.
(٢) البداية والنهاية (٨/ ١٠٦) ولقد اختلف الناس حول كعب وأضرابه، ولكن لو لم يكن لكعب ومن حذا حذوه إلا نقل هذه الأخبار، وشغل المسلمين بها، وتزيينها في نظرهم، وايهامهم بأنها أخبار مقدسة لا يرتقي إليها شك، لكان ذلك كافيًا لنا أن نحذر من هؤلاء وأخبارهم .. البداية والنهاية جـ ٨ ص ١٠٦.
(٣) الترمذي جـ ٥ ص ٣٩٤.
(٤) التفسير المنسوب لابن عباس لم يصح نسبته إليه.
(٥) مناهج التفسير للشيخ عبد العظيم الغباشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>