تطورت بالفعل، ولكن هذا لا يقتضي أن يكون قد انقلب إلى حاكم أكثر منه نبيًّا، والقول بأنه قد خالف المبادئ التي بشّر بها في مكة خطأ فاحش لا يستند إلى حق أو شبهة من حق. ويقول:"إن ما كان من تطور في السيرة النبوية المدنية في المرامي القرآنية المدنية، ليس هو تطورًا في معنى الانحراف عن الأصل المكي سيرةً وقرآنًا، وإنما هو في حدود هذا الأصل ونطاقه. فالقرآن، وإن كان دعا إلى ما دعا إليه ونهى عن ما نهى عنه بأسلوب الحث والتحريض والترغيب والترهيب ... فإنه انطوى على نواة الأمر والنهي والتشريع، ويأتي بأمثلة لذلك من القرآن الكريم"(١).
وفي الفصل الثاني يذكر أن هناك روايات عديدة في تدوين القرآن:
الأول: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - توفي ولم يكن القرآن قد جُمع في شيء، وأن جمعه وترتيبه إنما كان بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن ما دُوِّن في زمنه - صلى الله عليه وسلم - إنما دُوِّن على وسائل بدائية كأكتاف العظام، ويذكر بعض الروايات في ذلك، منها ما يشير إلى أن ترتيب سور القرآن قد تم زمن الصحابة".
الثاني: أن هناك روايات كثيرة عن وجود اختلاف في ترتيب مصاحف بعض الصحابة وعن كلمات زائدة كتبت في بعض المصاحف، وتُكتب في المصحف المتداول، وعن آيات كانت تُقرأ ولم تُكتب، وهذا يفيد أن القرآن الكريم لم يُجمع ويُرتَّب إلا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وينقل روايات أوردها السيوطي، ومن هذه الروايات ما يدل على أن مصحف أبيّ بن كعب كان فيه سورتان هما سورة الخلع والحفد، وهناك روايات عديدة تفيد أن بعض الصحابة كانوا يقرؤون كلمات بدل كلمات، مثل (أيمانهما) بدل (أيدجهما) في آية السرقة.