ألم يتحرّج المسلمون من السعي بين الصفا والمروة لأنه كان من أعمال الجاهلية، فينزل القرآن الكريم مبينًا أن ذلك من شعائر الله؟ وهل كانت كذلك لأن العرب قد تعوَّدوها؟ وإذا أردنا أن نسلِّم أن أعمال الحج أمور لا تعقل حكمتها، أفليس هناك أمور كثيرة غير أعمال الحج، مما لم يعرفها العرب، كذلك وهي التي يسميها العلماء أمورًا تعبدية؟ وليت شعري هل كان إقرار الإسلام لأعمال الحج محافظةً على الوحدة العربية، وذلك لرسوخ هذه الأعمال فيهم؟ وهل كان يقصد من ذلك تأنيسهم بالدعوة الإسلامية؟
الحق أن الحج شريعة الله التي شوّهها العرب وحرّفوها قبل الإسلام، وجاء الإسلام ليرجع لها قدسيتها وحقيقتها، وما كان ليقرها لو لم تكن كذلك، نعم إن القرآن أراد وحدة هذه الأمة، ولكن لا يمكن أن تكون على حساب تشريعاته ومبادئه، ولهذا نراه يقوض أركانًا ويهدم بنيانًا، ليثبت تشريعاته ومبادئه وأحكامه، ألم ينكر القرآن الكريم على قريش حينما كانوا يخالفون قبائل العرب جميعها، فلا يفيضون من عرفات، ويسمون أنفسهم (الحُمس) فقال تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩)} [البقرة: ١٩٩] فجعل إفاضتهم من غير عرفات ذنبًا يستحق الغفران. ولو أن القرآن أراد تأنيسهم من هذا الباب الذي ذكره المؤلف - أعني كما كان راسخًا فيهم من أمور تعوَّدوها - ما كان لينعى عليهم تقليد الآباء، ووأد البنات، وقتل الأولاد، وظلم النساء، ونخوة الجاهلية، والاستسقام بالأزلام، إلى ما هنالك من أمور كثيرة لا محل لذكرها الآن. الحق أن القرآن شرع ما شرع، دون نظر إلى ما تعوَّده القوم وألفوه أو أبغضوه وكرهوه، فلقد كرهوا مثلًا أن تُعطى المرأة نصيبًا من التركة، وإنما شرع ما شرع لتكون العدالة والأمن والعبودية لله وحده. ولقد كانت تشريعاته للناس جميعًا وليست للعرب خاصة، فإذا كان العرب قد تعودوا أعمال الحج، في بالنا نلزم غيرهم من المسلمين بها، ثم لا أدري ما صلة هذا كله بفهم القرآن وتفسيره؟