ومنشأ الخطأ كما يصوره المؤلف أن الآية الأولى نزلت في سياق غزوة تبوك، فكيف تأتي تلك الرواية التي تمزق السياق، وتقطع الصلة بين الآيات، وتوهم أن الآية نزلت منفردة.
والحق الذي يجب تقريره أن سورة براءة نزل جلّ آياتها في غزوة تبوك، وقد جاءت هذه الآية الكريمة:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ .... } في أثناء الحديث عن غزوة تبوك، فليس هناك تمزيق للسياق، وقطع للصلة، ولا إبهام أنَّها نزلت منفردة، والمتأمل لسورة براءة يجد حديثها عن أقسام المنافقين في مواضع متعددة {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ}[التوبة: ٦١]، {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ}[التوبة: ٦٤]، {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ}[التوبة: ٧٥]، {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ}[التوبة: ٧٩]، إلى آخر السورة تقريبًا.
ومنشأ الخطأ في الرواية الثانية أن الآيات جاءت في مشهد من مشاهد يوم القيامة، لكن الرواية أفهمت غير ذلك.
وقد أوافق الأستاذ - رحمه الله - فيما ذهب إليه، وقد تكون الآية استُشهد بها على ما ذهب إليه هؤلاء، وليست سببًا للنزول (١).
٣ - مسائل الهداية والضلال:
وملاحظة السياق وتسلسل الفصول القرآنية كما يقول المؤلف، يزيل وهم التعارض والتناقض بين الآيات، وبخاصة تلك التي تتعلق بمجمل الهداية والإضلال والكفر والإيمان. ويأتي بأمثلة كثيرة لذلك، ليبين هذا الإشكال، مع أنه لا إشكال ولا لبس.
(١) راجع كتابنا: إتقان البرهان في علوم القرآن، فضل أسباب النزول.