للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا غير صحيح بالنسبة للقرآن الكريم، لأن ذلك غير ممكن بالطبع فهناك فرق كبير بين أداء وتفسير، وهذا يصدق حتى بالنسبة لكلام الناس. فإن نثر أبيات من الشعر لا يعني شرحها، وتجلية صورها المختلفة.

فها هو عند تفسيره لسورة نوح - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مثلًا، بعد أن يأتي بجميع آياتها ويفسر مفرداتها، يقول: "عبارة آيات السورة واضحة، لا تحتاح إلى أداء آخر". ومثل ذلك في سورة طه، عندما يفسر المقطع من قوله تعالى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٢٤)} إلى قوله: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٤٨)} [طه: ٤٣ - ٤٨]. فإنه يقول: "وعباراتها واضحة لا تحتاج أيضًا إلى أداء آخر" وهذا كثير جدًّا في تفسيره.

وهو كثيرًا ما يحيل القارئ في أكثر الآيات على كتب التفسير، وبخاصة الطبري والطبرسي والخازن والبغوي، وربما يرجح رأيًا مع أن الكتب التي أحال إليها ترجح رأيًا آخر. يظهر هذا مثلًا في تفسيره قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)} [الأنفال: ٦٤]، فإنه يرجح أن (من) معطوف على لفظ الجلالة، مستدلًا بالآية التي قبلها، وهي قول الله: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢)} [الأنفال: ٦٢] مع أن المفسرين الذين أحال عليهم رجحوا غير هذا، وكذلك الآية الكريمة، تدل على أن الحسبية لله وحده، وهذا نص الآية: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢)} (١). وهذا ما جاء في الآيات الكثيرة مثل {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: ٣]، {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨)} [الزمر: ٣٨]، {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)} [التوبة: ١٢٩].

وهذا أنموذج من تفسيره.


(١) الطبري، ح ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>