أصل من أصول التفسير، ثم أخذ يهذي بأفهام فاسدة تتنافى مع ما قرره أئمة اللغة وأئمة الدين.
ومنهم من لم يرسم لنفسه نحلة دينية ولم يسر على عقيدة معروفة، ولكنه لعبت برأسه الغواية وتسلطت على قلبه وعقله أفكار وآراء من نحل مختلفة، فانطلق إلى القرآن وهو يحمل في قلبه ورأسه هذه الأمشاج من الآراء، فأخذ يؤوله بما يتفق معها، تأويلًا لا يقره العقل ولا يرضاه الدين.
ويعرض الشيخ الذهبي نماذج للتفسير الإلحادي، كتبها أصحابها، ولكنه لا يذكر أحدًا باسمه أو لقبه، لأنه ربما كان هذا سببًا للفتنة وباعثًا على العداوة، وبخاصة وقد كان كثيرون منهم أحياء زمن الشيخ الذهبي رحمه الله (١).
أما اللون الرابع فهو اللون الأدبي الاجتماعي ويعني بذلك أن التفسير لم يعد يظهر عليه في هذا العصر ذلك الطابع الجاف الذي يصرف الناس عن هداية القرآن، وإنما ظهر عليه طابع آخر وتلون بلون يكاد يكون جديدًا وطارئًا على التفسير، وذلك هو معالجة النصوص القرآنية معالجة تقوم أولًا وقبل كل شيء على إظهار مواضع الدقة في التعبير القرآنية، ثم بعد ذلك تصاغ المعاني التي يهدف القرآن إليها في أسلوب شيق أخاذ، ثم يطلق النص القرآني على ما في الكون من سنن الاجتماع ونظم العمران، ويتحدث تحت -هذا اللون- عن مدرسة الأستاذ الشيخ محمد عبده.
وبعد هذا العرض يجدر بنا أن نعرف أن هذا الكتاب هو أول كتاب عن تاريخ التفسير ومذاهب المفسرين في العصر الحديث، وهي رسالة قدمها الشيخ -يرحمه الله- لنيل درجة الأستاذية التي كانت تعرف بهذا الاسم، والطلاب الذين
(١) وقد أشرت إلى هذا في كتاب (قصص القرآن صدق حدث وسمو هدف) عند حديثي عن قصة أيوب عليه الصلاة والسلام.