بحسب النزول، لا لأنه لم ير صحة ما أجمعوا عليه، ولا لأنه حاشاه لم يعلم أن ذلك توقيفي لا محل للاجتهاد فيه، بل أراد أن تعلم العامة تاريخ نزوله، ومكانه وزمانه وكيفية إنزاله، وأسباب تنزيله، ووقائعه وحوادثه، ومقدمه ومؤخره، وعامه وخاصه، ومطلقه ... بادئ الرأي دون تكلف لمراجعة، أو سؤال، ولمقاصد أخرى ستظهر للقارئ إن شاء الله ... واعلم أن الخليفة عثمان -رضي الله عنه- ومن معه من الأصحاب، إنما لم يأخذ برأيه؛ لأن السور والآيات كانت مرتبة ومجموعة على ما هو في المصاحف الآن. وهو أمر توقيفي لا مجال للرأي فيه، وليعلم أن تفسيره على رأي الإمام علي كرم الله وجهه، لا يشك أحد بأنه كثير الفائدة عام النفع، لأن ترتيب النزول غير التلاوة، ولأن العلماء رحمهم الله لما فسروه على نمط المصاحف، اضطروا لأن يشيروا لتلك الأسباب بعبارات مكررة، إذ بيَّن ترتيبه في المصاحف وترتيبه بحسب نزوله بعد، يرمي للزوم التكرار مما أدى لضخامة تفاسيرهم، ومن هذا نشأ الاختلاف بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، والأخذ والرد فيما يتعلق فيهما، وقد علمت بالاستقراء، أن أحدًا لم يقدم تفسيره بمقتضى ما أشار إليه الإمام -رضي الله عنه-.
ويكفي القارئ مؤنة تلك الاختلافات وتدوينها، ويُعرِّفه كيفية نزوله، ويوقفه على أسباب تنزيله، ويذيقه لذة معانيه، وطعم اختصار مبانيه بلغة سهلة يسرة موجزة خالية عن الرد والبدل، سالمة من الطعن والعلل، مصونة من الخطأ والزلل فعنَّ لي القيام بذلك، إذ لا مانع شرعي يحول دون ما هنالك، وأراني بهذا متبعًا لا مبتدعًا، مؤملًا أن يكون عملي هذا سنّة حسنة ... مبينًا أوَّل ما نزل إلى الفترة والفترة، وسببها ومدتها وأول ما نزل بعدها، وسبب وتاريخ كل منها، ومكانه وزمانه وقصصه وأخباره وأمثاله وأحكامه، والآيات المكررة وسبب التكرار، ونظائرها مما يناسبها باللفظ والمعنى، والكلمات التي لم تكرر فيه، (عدا ما كان بين سورة (ق) إلى (الحديد) وجزْءَي (تبارك) و (عم) لأن كثيرًا من كلماتها، لم تكرر لما هي عليه من السجع العجيب واللفظ الغريب). وما هو موافق لشرع من قبلنا منه ... وخلاصة القصص المعقولة والغزوات المرموقة.