للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لاختيار البشر، أو لإعذارهم في طاعة الله تعالى، بإحسان أعمالهم التي دعا إليها، وذلك هنا مثل قوله تعالى في سورة أخرى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: ٢٨]، فوصف ما سبق الحياة بالموت، وما أشبهه به! وما أحسن هنا صفتي (العزيز) و (الغفور)، فالله سبحانه العزيز الغالب، الذي لا يعجزه أمر من عصاه، فأساء عملًا، وهو العلي العظيم الغفران، لمن تاب وأناب.

وهو {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا} [الملك: ٣]، يعلو بعضها بعضًا، {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الملك: ٣]، أثرًا للاختلاف والخلل، فالانسجام في الخلقة، والتصرف التام يشمل خلقه الظاهر لنا والخفي، كذلك السموات الطباق بالاستدلال القياسي إذ الإتقان في الظاهر، دليل الإتقان في الباطن، الصادر عن الحكيم القادر. وهذه السماء {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣)} [الملك: ٣]، هل ترى من شقوق أو صدوع تدل فيما نراه على اختلاف وتفاوت؟ كلا إذ لا ترى إلا الإحسان والإتقان {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] بل كرات، فالمراد كثرة النظر والتأمل والتدبر {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك: ٤]، يرجع النظر إليه -سواء كان نظرك مجردًا أو مستعينًا بمنظار- ذليلًا، ومن لا يذل لعظمة الله تعبًا كليلًا؟

أما حقيقة هذه السموات السبع هنا، فقد قصر علمنا الضعيف الآن عنها، فقد تكون كواكب معينة من السيارات أو غيرها، تساوت في شروطها الحيوية، أو تشابهت وقد تكون أفلاكًا، وقد تكون أجواء لها. وفي لسان العرب "السموات السبع أطباق الأرضين". وقد روى عن ابن عباس في قوله تعالى: {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢] أنه قال: "لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم، وكفركم تكذيبكم بها"، وما عسى أن يحدثهم مما علمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد يبين لهم أنها كالأرض خلقًا، وأنها تبعد كذا وكذا، وأن فيها كيت وكيت، فيفسد عليهم دينهم، بتعريضهم للغيب والظنون، وإنما يخاطب الناس بما يعقلون، وإنما القصد من

<<  <  ج: ص:  >  >>