ولكن الذي يظهر لي، ويتفق مع مكانة التفسير الأثري، أن التفسير المأثور ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو كان له حكم المرفوع، ممّا روي عن الصحابة -رضوان الله عليهم- ويشمل هذا أسباب النزول:
١ - فمن المعلوم أن التفسير الأثري يقابل التفسير بالرأي، والتفسير بالرأي ما كان فيه مجال للاجتهاد، وعلى هذا فالتفسير الأثري ليس كذلك، أي مما لا مجال فيه للرأي والاجتهاد، وهذا يصدق على ما رفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو كان له حكم المرفوع أما ما روي عن الصحابة والتابعين مما هو اجتهاد منهم، فيدخل ضمن دائرة التفسير بالرأي، مثل بعض الروايات التي رويت عن ابن عباس.
٢ - إنهم عدّوا من التفسير بالمأثور، تفسير القرآن بالقرآن، وعلى هذا فإن الأقرب إلى تفسير القرآن بالقرآن، تفسير القرآن بالسنة، أما ما عدا هذين مما كان من اجتهادات الصحابة، فلا ينبغي أن نعدّه من التفسير بالمأثور. ومن باب أولى أن لا نعدّ من التفسير بالمأثور كذلك ما روي عن التابعين من اجتهادات، أو أخبار أهل الكتاب، والمعلوم أنه قد اتسعت دائرة الخلاف في التفسير في عهد التابعين، فلا نستطيع -إذن- أن نجعل تفسيرهم تفسيرًا أثريًا.
وهنا لا بد أن أشير إلى قضية، وهي أننا يجب أن نفرق بين خيرية القرون التي تكلم عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)(١) وبين قضية علمية تتصل بالقرآن الكريم، ثم إننا لا نملك دليلًا مقطوعًا به على ما ذهب إليه الأكثرون، من أن دائرة التفسير بالمأثور تشمل ذلك الكمّ الهائل من الروايات الكثيرة المتعددة، المتفقة حينًا والمختلفة أحيانًا، وقد عرفت ما قاله أبو حيان في البحر المحيط. ومثل هذا ما روي عن أبي حنيفة (ما جاءنا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الرأس والعين، وما جاءنا عن الصحابة تخيرنا فيه، وما جاءنا عن التابعين فهم رجال ونحن رجال). وليس معنى هذا أننا نقلل من شأنهم -رضي الله عنهم- فهم