[قال مُعِدُّه للشاملة: لم يكتب المؤلف (د فضل عباس) رحمه الله، هذا الفصل، ولم يقرأه، كما هو مبين في المقدمة جـ٣/ ٥]
زهرة التفاسير
حينما أكتب عن العلامة أبي زهرة، بل حينما أذكره ينهمر الدمع من عيني وأنا والحمد لله من المؤمنين بقدر الله تبارك وتعالى، وبقول الله:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: ١٨٥]، لكنني حينما أذكر الشيخ، وأتصور هذا الجمّ الغفير ممن ينتسبون إلى العلم، قد يكون بعضهم -وهم قليل- ممن يساوونه علمًا أو يزيدون عليه، لكن العلم الحق لا بد له من دعائم ترتفع به، ويرتفع بها، حينما أذكر الشيخ وأتصور غيره -وهم كثير- أشعر عند ذكر الشيخ والحديث عنه، أو الكتابة عن آثاره، أنني أمام روضة غنّاء، تحيط بها فيافي مقفرة. ولقد كثر المحبون فكتبوا عنه ما يستحق أكثر مما كتبوا، لكنني أود أن أذكر حادثتين قلّ من يعرفهما ولم يكتبهما أحد من الناس.
الحادثة الأولى: في منتصف الستينات، وبعد أن أُعدِم الأستاذ سيد قطب، -نرجو أن يكون له منزلة الشهداء- كان الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة-رحمه الله- يناقش رسالة دكتوراه لأحد الطلاب، وفي أثناء المناقشة كانت قضية من القضايا استدعت ذكر الشيخ حسن البنا -رحمه الله تعالى- وذكر الأستاذ سيد قطب، والقاعة ممتلئة مزدحمة بجموع الناس، وكان ذكر هذين يكاد يكون محرّمًا، بل قد يجاهر المتعاطون للمخدرات بما يريدون بلا حرج، ولكن الذي كان من الشيخ، كان له أثر في نفوس الحاضرين، وكانوا يتصورون أن ذلك لا يمكن أن يحدث؛ لأنهم يعرفون الظرف الذي كان يسود في تلك الأيام ... وإذ بالشيخ أبي زهرة رحمه الله، يقول بصوت مرتفع جهوري:"هذا ما قاله الشيخ حسن البنا -رضي الله عنه- هكذا شددها ورفع صوته بها، "وهذا ما أشار إليه صاحب الظلال سيد قطب -رحمه الله تعالى-" وكانت الأطروحة في تفسير القرآن الكريم.
تلكم الحادثة تظهر منها جراءة الشيخ في الحق، وصلابته في قول ما يعتقده وما نظنّ، بل نوقن أن أحدًا غير الشيخ لن يستطيع أن يقول ما قاله الشيخ، تلكم هي الجرأة والشجاعة في الحق.