ثانيًا: هل ثبت أنّ هذه الرواية ليس لها صلة بالإسرائيليات؟
ثالثًا: وهي قضية ذات أهميّة كبيرة: أهذه القضية المفسَّرة مما لا مجال فيه للرأي؟
فهذه أمر لا بدّ أن تُبحث بحثًا دقيقًا قبل أن نصدر حكمنا بأن هذا التفسير له حكم الموفوع.
أضرب مثلًا لذلك: تذكر بعض الروايات أنّ القرآن الكريم له تنزّلات متعدّدة فقد أنزل إلى السماء الدنيا في ليلة واحدة، ثمّ نزل متفرقًا في ثلاثة وعشرين عامًا على قلب سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وهذه الروايات كلّها موقوفة على سيدنا عبد الله بن عبّاس رضى الله عنهما، وقالوا إن بعضها صحيح الإسناد. ولمْ ترْوَ عن غيره من الصحابة وليس فيها رواية مرفوعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن كثيرًا من الباحثين أعطاها حكم الموفوع، لأنها لا مجال فيها للاجتهاد.
ولكنّنا نتساءل هنا:
أولا: لِمَ لمْ تردْ روايةٌ مرفوعة في هذا الشأن؟
ثانيًا: لِمَ لمْ يَسْمع من الرسول عليه الصلاة والسلام هذه القضية -على أهميتها- سوى ابن عباس؟
ثالثًا: لِمَ كانت هذه القضية ممّا لا مجال فيه للاجتهاد؟
لمَ لا يكون ابن عباس رضي الله عنهما -وهو ممّن أكرمه الله فعلّمه التأويل- فَهِمَ من قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} ومن قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} وقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} أنّ الضمير في هذه الآيات الكريمات يرجع إلى القرآن الكريم كلّه وأنه أُنزل إلى سماء الدنيا، ويكون هذا فهمَ ابن عبّاس رضي الله عنهما؟
إنّ حُكْمنا على كلّ رواية أن لها حُكْم المرفوع قد تكون له نتائج خطيرة؛ لذا ينبغي التحرّي والدقة قبل إصدار مثل هذه الأحكام والله وليّ كلّ أمر، ومنه التوفيق والسداد.