للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه للمتكلم، والقرآن كلام الله، فهو يقول بلسان بيانه: هذا مراد الله من هذا الكلام فليتثبت أن يسأله الله تعالى: من أين قلت عني هذا؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد. وإلا فمجرد الاحتمال يكفي بأن يقول يحتمل أن يكون المعنى كذا وكذا، بناء أيضًا على صحة تلك الاحتمالات في صلب العلم، وإلا فالاحتمالات التي لا ترجع إلى أصل غير معتبرة. فعلى كل تقدير لا بد في كل قول يجزم به أو يحمّل - من شاهد يشهد لأصله، وإلا كان باطلًا، ودخل صاحبه تحت أهل الرأي المذموم والله أعلم (١).

ولقد بحث الكاتبون في التفسير هذه القضية، وأطالوا فيها النفس -سامحهم الله- فلقد أشار إليها الراغب الأصفهاني ومن بعده الزركشي في البرهان، والسيوطي في الإتقان -رحمهم الله جميعًا- ثم ذكرها من المحدثين الشيخ الزرقاني في مناهل العرفان، ثم الشيخ الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون -رحمهم الله جميعا- ثم ذكرها من بعدهم، ومن هؤلاء الدكتور إبراهيم خليفة في كتابه الدّخيل في التفسير حيث نقل أقوال أولئك السابقين والمعاصرين، وخلاصة ما قاله هؤلاء الكاتبون: إن العلماء اختلفوا فبعضهم منع التفسير بالرأي، ولم يقبل منه إلا ما ثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو ما كان فيه إجماع من الصحابة. وآخرون ذهبوا مذهبًا آخر فأجازوا التفسير بالرأي، إذا كان ناشئًا عن أسس ثابتة ليس للجهل ولا للنحل الفاسدة دخل فيه.

ولقد ذهب كثير من المحدثين منهم الشيخ الزرقاني، والشيخ الذهبي، إلى أن هذا الخلاف لفظي؛ لأن الذين أجازوا التفسير بالرأي، إنما كانوا يقصدون الرأي المحمود، الناشيء عن أسس صحيحة، والذين منعوه كانوا يقصدون الرأي المذموم الناشيء عن الهوى.

وقد تعقبهم صاحب كتاب (الدخيل في التفسير)، وأطال القول ورد عليهم بأن الخلاف ليس لفظيًّا كما ادّعوا، بل هو خلاف حقيقي، والحق مع الشيخين


(١) الموافقات (٣/ ٤٢١ - ٤٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>