ويصرف النفس عن الشر ويجذبها، وهذه هى التي قلنا إنها متيسرة لكل أحد ({وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}[القمر: ٢٢] وأما المرتبة العليا فهي لا تتم إلا بأمور:
أحدها: فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أودعها القرآن بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة غير مكتف بقول فلان وفهم فلان، فإن كثيرًا من الألفاظ كانت تستعمل في زمن التنزيل لمعان، ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد من ذلك لفظ "التأويل" اشتهر بمعنى التفسير مطلقا أو على وجه مخصوص، ولكنه جاء في القرآن بمعان أخرى كقوله تعالى:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}[الأعراف: ٥٣]، فما هذا التأويل؟
يجب على من يريد الفهم الصحيح أن يتتبع الاصطلاحات التي حدثت في الملة ليفرق بينها وبين ما ورد في الكتاب، فكثيرًا ما يفسر المفسرون كلمات القرآن بإلاصطلاحات التي حدثت في الملة بعد القرون الثلاثة الأولى (١)، فعلى المدقق أن يفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله، والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه بأن يجمع ما تكرر في مواضع منه وينظر فيه، فربما استعمل بمعان مختلفة كلفظ "الهداية" وغيره، ويحقق كيف يتفق معناه مع جملة معنى الآية، فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه، وقد قالوا: إنه القرآن يفسر بعضه ببعض، وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ، موافقته لما سبق له من القول واتفاقه مع جملة المعنى، وائتلافه مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته.
(١) يذكر الشيخ رشيد من ذلك لفظ (الولي) معناه في القرآن الناصر والمولى: وأولياء الله أنصار دينه من أهل الإيمان والتقوى وقد اصطلحوا بعد ذلك على أن الأولياء صنف من الناس تظهر على أيديهم الخوارق ويتصرفون في الكون بما وراء الأشياء ولم يعرف الصحابة هذا المعنى.