أجمل القرآن الكلام عن الأمم وعن السنن الإلهية، وعن آياته في السموات والأرض، وفي الآفاق والأنفس، وهو إجمال صادر عمن أحاط بكل شيء علمًا وأمرنا بالنظر والتفكر، والسير في الأرض لنفهم إجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمالًا ولو اكتفينا من علم الكون بنظرة في ظاهره، لكنّا كمن يعتبر الكتاب بلون جلده لا بما حواه من علم وحكمة.
رابعها: العلم يوجه هداية البشر كلهم بالقرآن، فيجب على المفسر القائم بهذا الغرض الكفائي: أن يعلم ما كان عليه الناس في عصر النبوة من العرب وغيرهم، لأن القرآن ينادي بأن الناس كلهم كانوا في شقاء وضلال، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث لهدايتهم وإسعادهم وكيف يفهم المفسر ما قبحته الآيات من عوائدهم على وجه الحقيقة أو ما يقرب منها إذا لم يكن عارفًا بأحوالهم وما كانوا عليه؟ هل يُكتفى من علماء القرآن دعاة الدين والمناضلين عنه بالتقليد، بأن يقولوا تقليدًا لغيرهم، إن الناس كانوا على باطل وإن القرآن دحض أباطيلهم في الجملة كلا؟
وأقول الآن: يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة: إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية" والمراد أن من نشأ في الإسلام ولم يعرف حال الناس قبله يجهل تأثير هدايته وعناية الله بجعله مغيرًا لأحوال البشر ومخرجًا لها من الظلمات إلى النور، ومن جهل هذا يظن أن الإسلام أمر عادي، كما ترى بعض الذين يتربون في النظافة والنعيم يعدون التشديد في الأمر بالنظافة والسواك من قبيل اللغو، لأنه من ضروريات الحياة عندهم، ولو اختبروا غيرهم من طبقات الناس لعرفوا الحكمة في تلك الأوامر وتأثير تلك الآداب من أين جاء؟
خامسها: العلم بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وما كانوا عليه من علم وعمل وتصرف في الشؤون دنيويها وأخرويها (١).