للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحكم اتفاق القرآن مع التوراة والإنجيل في كثير من المواضع التي أجملت في القرآن وفصلت في التوراة أو الإنجيل، ولكن كما قلنا فيما سبق أن الرجوع إلى أهل الكتاب كان في دائرة محدودة ضيقة، تتفق مع القرآن وتشهد لة، أما ما عدا ذلك مما يتنافى مع القرآن، ولا يتفق مع الشريعة الإسلامية فكان ابن عباس لا يقبله ولا يأخذ به.

ويقول مناقشًا جولد زيهر والأستاذ أحمد أمين: والحق أن هذا غلو في الرأي وبعد عن الصواب، فابن عباس-كما قلت آنفًا- وغيره من الصحابة كانوا يسألون علماء اليهود الذين اعتنقوا الإسلام، ولكن لم يكن سؤالهم عن شئ يمس العقيدة، أو يتصل بأصول الدين أو فروعه وإنما كانوا يسألون أهل الكتاب عن بعض القصص والأخبار الماضية، ولم يكونوا يقبلون كل ما يروى على أنه صواب لا يتطرق إليه شك، بل كانوا يحكمون دينهم وعقلهم، فما اتفق مع الدين والعقل صدقوه، وما خالف ذلك نبذوه، وما سكت عنه القرآن واحتمل الصدق والكذب توقفوا فيه) (١).

إن الشيخ الذهبي لا ينكر أن يكون ابن عباس قد أخذ عن أهل الكتاب، ولكنه ينكر أن يكون ابن عباس قد توسع في الأخذ عنهم حيث كان ابن عباس من أشد الناس نكيرًا على ذلك، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين: تسألون أهل الكتاب وكتابكم الذي أنزل على نبيه أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله، وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: ٧٩].

أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم، ولا والله ما رأينا رجلًا منهم قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم) (٢).


(١) التفسير والمفسرون ص ٧٠ - ٧٣.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب الشهادات.

<<  <  ج: ص:  >  >>