من الأئمة. فهو يقول عن الثعالبي مثلًا: إنه كان فيه خير ودين. ولكنه كان حاطب ليل. هذا ما يرتأيه ابن كثير. ولكن البرهان البقاعي يرى غير ذلك الرأي، فهو يرى جواز النقل عن بني إسرائيل، ويدلل علي ذلك بأن الذي ننقله إنما يقصد به الاستئناس فقط دون الاعتقاد وما ينقل للاستئناس لا يضيرنا إن لم نثبت من صحة نقله وذلك بعكس ما ننقله من أجل الاحتجاج والاعتقاد، فلا بد من التثبت من سنده ونقله.
ويقسم الإسرائيليات إلى ثلاثة أقسام: موضوع وضعيف وغير ذلك فأما القسم الثالث وهو الذي ليس بموضوع ولا ضعيف فينقل للحجة، وأما الضعيف فينقل للترغيب، وأما الموضوع فينقل للتنبيه على كذبه. وكأنه يبيج نقل هذه الأقسام جميعها. فهو يوجد لكل قسم منها مسوغًا يسوغ نقله ووضعه في كتبنا. وانظر إليه وهو يقول: عند تفسيره لقول الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}[البقرة: ٣٤] ما نصه.
(فإن أنكر منكر الاستشهاد بالتوراة أو بالإنجيل، وعمى عن أن الأحسن في باب النظر، أن يرد على الإنسان بما يعتقده، تلوت عليه قول الله تعالى استشهادًا على كذب اليهود {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[آل عمران: ٩٣] وقوله تعالى. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}[المائدة: ٤٨] حتى آيات من أمثال ذلك كثيرة. وذكرته باستشهاد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتوراة في قصة الزاني ... الخ)(١).
وإذا كان هذان العالمان الجليلان مختلفين نحو هذه الإسرائيليات فأحدهما ينظر إلى الرواية والسند، والآخر ينظر إلى طبيعة المنقول. والمنقول إليه، من حيث الموافقة والمخالفة، فإن إمامًا ثالثًا وهو الحافظ ابن حجر يرى رأيًا آخر، وهو أن هذه الإسرائيليات ينبغي أن لا يطلع عليها إلا من كان متمكنًا من دينه، متضلعًا في
(١) تفسير البقاعي (١/ ٣٧٢). دار الكتاب الإسلامي، القاهرة.