وحينما أتحدث عن البحر المحيط لأبي حيان أأتحدث عنه من الجانب النحوي فحسب؟ مع أن البحر بحر، فيه ما فيه من أنواع الدرر وصنوف اللآلئ.
ثمَّ بدأتْ محاولة جمع تلك المدارس في جامعة واحدة، والذي أعلمه أن أول من حاول هذه المحاولة هو الإمام السيوطي، كما حدثنا هو نفسه عن ذلك، وجعل كتابه (الإتقان) مقدمة لهدا التفسير يقول السيوطي (وقد جعلته مقدمة للتفسير الكبير الذي شرعت فيه، وسميته مجمع البحرين، ومطلع البدرين الجامع لتحرير الرواية، وتقرير الدراية، ومن الله استمد التوفيق والهداية، والمعونة والرعاية، إنه قريب مجيب)(١). ولكن هذه الجامعة لم يهيأ لها أن تفتح أبوابها لجماهير الدارسين، حتى جاء القرن الثاني عشر الهجري، إذ قيض الله لهذه الأمة عالمًا فذًا ذكيًا محققًا، ذلكم هو شهاب الدين الآلوسي البغدادي، فوضع تفسيره (روح المعاني) فجاء جامعة قرآنية، لم يهمل فيها مسائل المتكلم، ولا مشكلات النحوي ولا روايات الأثري، ولا آراء الفقيه، ولا نكات البياني، ولا قضايا العلم والكون، ولا نفحات الصوفي أو شطحاته فكان روح المعاني روح أقوال كل هؤلاء، يزين ذلك كله تحقيق الرجل لكل تلك المسائل، وإفاضته في ذلك كله. وبهذا التفسير ختمت المرحلة الثانية، لتبدأ مرحلة جديدة هي التفسير في العصر الحديث. فرحم الله علامة الرافدين أبا الثناء شهاب الدين الآلوسي وجزاه الله عن تحقيقه خير الجزاء. ومن الإنصاف أن نسجل هنا أن جامع البيان لابن جرير وكشاف الزمخشري ومفاتح الغيب للرازي، هي الأفلاك التي تدور حولها جميع كتب التفاسير في مرحلة التدوين.
ولا يفوتني قبل التحدث عن المرحلة الثالثة، أن أذكر أن المرحلة الثانية التي استغرقت ما يزيد على عشرة قرون، كانت غنية كل الغنى بنفائس الدرر في تفسير القرآن الكريم، فيما أنتجته عقول الأئمة الأعلام، ودبجته أيديهم. فهناك مئات