مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال} [إبراهيم: ٤٦] فهناك قراءة بنصب الفعل المضارع "تزولَ" وهناك قراءة برفعِه. والتوجيه الإعرابي للقراءة الأولى أن تكون (إنْ) نافية بمعنى (ما) والمعنى "ما كان مكرُهم ليزيلَ الجبال" فهو تهوينٌ من شأن مكرهم، فـ"إنْ" نافية واللام هي لام الجحود التي يُنْصب بعدها الفعل المضارع. وأما القراءة الثانية "لَتزولُ" بفتح اللام ورفع الفعل فتوجيهها إعرابيًا أنّ (إن) مخفّفة من الثقيلة تفيد التوكيد، واللام في (لتزول) هي الفارقة بين (إنْ) النافية و (إنْ) المخفّفة، والمعنى (إنَّ مكرهم يزيل الجبال لشدته" فهو ليس تهوينًا كما في القراءة الأولى، بل هو تهويل لمكرهم، فهما معنيان لا يمكن الجمع بينهما، لذلك حمل العلماء الجبال في القراءة الأولى التي هوّنت مكرهم على المجاز، وحملوا الجبال في القراءة الثانية على الحقيقة. والمعنى على الأولى "ما كان مكرهم ليزيل الإيمان الراسخ من قلوبكم ويزحزح قلوبكم عن الإيمان، فالإيمان راسخ كالجبال، لا يستطيعون بمكرهم إزالته وقد ثبت هذا تاريخيًا.
ويكون المعنى على القراءة الثانية وإن مكرهم لشدته يزيل الجبال الراسيات.
٦ - ومن ذلك ما ورد في قوله تعالى:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}[يوسف: ١١٠].
قرأ الكوفيون: كذبوا بالتخفيف، وقرأ الباقون كذبوا بالتشديد، وقد اشتهر الخلاف بين السيدة عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم - حول هذه الآية الكريمة، ومعنى قراءة التشديد أن الرسل استيأسوا وأيقنوا أن المرسل إليهم قد كذبوهم، فالضمير في (كذِّبوا) للرسل، وترى السيدة عائشة -رضي الله عنها- أن معنى قوله {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أي أيقن الرسل أن اتباعهم الذين آمنوا بهم قد كذبوهم لما تأخر النصر.