هذه الآيات الكريمات الثلاث في سورة الأنعام ولها نظائر كثيرة في القرآن الكريم. فحذف جواب (لو) من الأمور التي أشار إليها علماء البيان وبيّنوا أسرارها وفوائدها فلم تكون آية التكاثر بدعًا من تلكم الآيات الكريمات؟
ثانيًا: إن من البدهي أنّ (لو) حرف امتناع لامتناع يمتنع جوابها لامتناع شرطها فقولنا: "لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع" مَعناه أنّ عدم رضانا بالواقع كائنٌ لعدم علمنا بالغيب، وقول الله تبارك وتعالى {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} معناه أن عدم طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- للصحابة رضوان الله عليهم سبب في عدم عنتهم.
وفي الآية الكريمة التي معنا: لو كان قوله تعالى {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} جواب (لو) لفسد المعنى إذ يصير التركيب هكذا: "لو تعلمون علم اليقين لرأيتم الجحيم، لكنّ رؤية الجحيم ممتنعة لامتناع علم اليقين".
ثمّ إنّ {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} لو كانت جوابًا لـ (لو) لكان منطوق هذا الكلام أنّ الذي يعلم علم اليقين هو الذي سيرى الجحيم. أمّا مفهومه فهو أنّ الذي لا يعلم علم اليقين لا يرى الجحيم، وهذا أمرٌ ثابت البطلان. قال الإمام الرازي -رحمه الله- في تفسير الآية الكريمة: "اتفقوا على أن جواب لو محذوف وأن قوله {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} جواب (لو) ويدل عليه وجهان: أحدهما أن ما كان جواب (لو) فنفيُهُ إثبات وإثباتُهُ نفي، فلو كان قوله {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} جوابًا للو لوجب أن لا تحصل هذه الرؤية وذلك باطل،