للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتفسيره يقع في ثلاثين جزءًا من التجزئة القديمة أي في ثلاث مجلدات ضخمة بني على ذكر الأخبار مسندة وتعقبها بالنقد والاختيار.

ويتحدث الكاتب عن الطبري، ويقول: "كان التفسير عندما انتهى إلى الطبري، في أوائل القرن الثالث نهرًا مؤبدًا، ذا ركام ورواسب، قد انصب إلى بحر خضم عباب، فامتزج بمائه وتشرب من عناصره، وصفا إليه من زبده وتطهر لديه من ركامه ورواسبه"، وهذا مثل مضروب لما كان للإمام الطبري الذي كان فقيهًا محدثًا، من رجال التاريخ، شاعرًا نحويًا وبيانيًا، وهو في تفسيره يفصح بيانه عن المعنى المراد من الآية معتمدًا ربط السياق متمسكًا بما يدور عليه المعنى من دلالة المفردات اللغوية على المعاني التي هي مستعملة فيها، ويستشهد بالشعر العربي، ويدعم ذلك بنقل الروايات المأثورة عن الصحابة والتابعين، وقبل ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في ذلك يرجح ويختار قولًا، وبذلك أصبح تفسير الطبري تفسيرًا علميًّا يغلب فيه جانب الأنظار غلبة واضحة على جانب الآثار.

وبعد الطبري صار أهل الأثر يعرضون بأهل التأويل -التفسير بالرأي- كما يعرض أهل السنة السلفيون بالمتكلمين أو يعرض الفقهاء أصحاب الحديث لأهل القياس ومن هنا عمد المحدثون إلى الأخبار الصحيحة يتتبعونها ليرجعوا للتفسير بالمأثور حرمته.

ويرى الكاتب أن التفسير انشق على نفسه وأصبح أهله شيعتين، تتمسك إحداهما بالتفسير بالمأثور، وتتحرر الأخرى من التزامه حتى تتركه وتطعن فيه، ومن هنا قيض الله تعالى الإمام البخاري لينقي الحديث الصحيح الثابت من غيره، وقد مكن الإمام البخاري بصنيعه هذا للشيعتين من أهل التفسير: شيعة الآثار وشيعة الأنظار بسبب تقارب، ومهد لهم الطريق، إذ حصر الأحاديث المعتد بها في التفسير، وحكم على ما وراءها بالطرح، وبذلك اتسع مجال النظر والتأويل وضاق مجال الأثر والنقل، وقد مكن هذا الوضع لكثيرين أن يتذرعوا إلى الحط من شأن

<<  <  ج: ص:  >  >>