الاختصار ودقة التعبير والتزام المصطلح العلمي والإشارة إلى ما يتفرع عن التعبير من معان يكتفى بحضورها في الذهن عن ذكرها، ثم تؤخذ مباني لما يأتي به التعبير بعدها. لقد عظم صيت الكتاب إذ وجد فيه الناس الضالة المنشودة من التفسير العلمي على الطريقة التحليلية اللفظية التي عظمت بها من قبل شهرة الكشاف، فقد روج التفسير الكشاف بأن مشى معه فيما يحبّب الناس فيه، وخلص منه ما كان ينفرهم منه.
ويتحدث الكاتب عن بعض التفاسير مثل تفسير ابن عرفة الذي اشتهر في الأندلس وسلك مسلك الجمع والتحليل والإملاء، فتتلى الآية أو الآيات بين يديه ثم يأخذ معناها بتحليل التراكيب وإيراد كلام أئمة اللغة أو النحو على معاني المفردات ومفاد التراكيب، منشدًا على ذلك الشواهد وموردًا الأمثال والأحاديث وهذا التفسير لم يتولَ ابن عرفة بنفسه كتابته، ولكن طلبته هم الذين كتبوه.
وينتقل للحديث عن تفسير أبي السعود وتفسير الآلوسي، فأبو السعود قد جمع بين تفسير الزمخشري وبين تفسير البيضاوي، ولكنه جاء بتحرير محكم وبيان دقيق وسبك متين، فتلقفه الناس بإعجاب وتقدير، وتفسير الآلوسي جاء جامعًا لأصناف التفاسير كلها، التفاسير العلمية السنية، والتفاسير العلمية الشيعية، والتفاسير الصوفية، جامعًا إلى ذلك الاعتناء بالفقه وآداب العربية من نحو وبلاغة، حيث اهتم بالمفردات والتراكيب، موردًا الآراء والحجج مناقشًا لها.
ويختم كتابه بالحديث عن نهضة الإسلام في العصر الحديث، والإصلاح الديني على يد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا بإيجاز.
ذلكم هو كتاب ابن عاشور -رحمه الله- وسبحان الله الذي من آياته اختلاف الألسنة والألوان والأمزجة والأساليب، وإذا كنا قد رجونا من قبل أن لا يسهب بعض الكاتبين في كتبهم، فنحن نرجو هنا أن يكون ابن عاشور -رحمه الله- قد فصّل وأن يتجنب الاختصار والابتسار، والحق أن كتابة الرجل كانت تمتاز بالدقة العلمية والإنصاف، ولم تكن سطحية ساذجة، فرحم الله ابن عاشور، ورحم الله أباه، وجزاهما عن كتاب الله خيرًا.