فالآية الأولى تحدثت عن بدر، أولى المواقع التي يخوضها المسلمون، ومع إيمانهم وثقتهم بربهم، إلا أن فريقًا منهم كارهون، فالتأكيد الرباني إذا يفعل في أنفسهم ما لا تفعله الإمدادات الكثيرة بالنسبة للآخرين. فجاءت خاتمة هذه الآية بجملتين:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} و {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وفيهما هذا التأكيد الذي نراه.
أما آية آل عمران، فإن المسلمين وقت نزولها، قد جربوا المعارك وخاضوا غمار الحرب وعلموا حق اليقين بعين اليقين، حقيقة نصر الله لهم فليسوا إذًا بحاجة إلى ذلك التأكيد وإذ بالجملتين تنطويان إلى جملة واحدة {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}[آل عمران: ١٢٦].
ولنَأخُذ من الآية التالية لها قول الله تعالى:{سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}[الأنفال: ١٢]، بينما جاء في سورة الحشر:{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}[الحشر: ٢].
وإذا عرفنا أن قريشًا في بدر لم تكن لها حصونها، وإنما كانوا في فلاة من الأرض، وأن بني النضير غرتهم حصونهم بل وغرت المؤمنين كذلك -حتى لقد سجل الله ذلك:{مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ}[الحشر: ٢]- أدركنا سر التعبير بكلمة (الإلقاء) في قلوب قريش، وسر التعبير بكلمة (القذف) الذي لا يكون إلا بالآلات الضخمة لبني النضير.
فإذا أخذنا الآية الثالثة، وجدنا في نهايتها {وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الأنفال: ١٣]، بينما نجد ضريعتها من سورة الحشر {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وإذا أردنا أن نعرف سبب ذلك - أعني ذكر الرسول في آية الأنفال دون آية الحشر، فما لنا إلا أن نذكر أن معاداة قريش للإسلام كانت ذات سببين اثنين: أولهما معاداة الدين نفسه، وثانيهما معاداة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام حسدًا وغيظًا. قال الله تعالى مصورًا هذا العداء: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى