للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موكولًا لإحسان الإنسان وبره فحسب، بل أوجبه كفارة لبعض الأعمال، كالقتل والظهار وغيرهما، وأمر بمكاتبة الرقيق إن أراد ذلك وإن علمنا فيه خيرًا، بحيث لا يصبح عالة على المجتمع، وجعل له نصيبًا من الزكاة المفروضة.

والقرآن بعد ذلك كله رغب عن تزوج الإماء، ليس استخفافًا وعدم اكتراث بهن، ولكنه يريد أن يجعل للرق نطاقه الضيق، فإن التزوج بالإماء من شأنه أن يعين على بقاء الرقيق أزمنة متعاقبة، هذا ما أرشد إليه القرآن لتحرير الرق. أما معاملة هؤلاء في حال رقهم فهي معاملة لا تدل على المساواة بين الناس فحسب، بل تدل على ما هو أعمق من ذلك: العدالة في الأحكام، ولقد كان القرآن فريدًا في ذلك فلم يسبق، ولم يأت بعده ما قاربه في التشريع. وهذا لعمر الحق من أعظم وجوه إعجازه. يقول الله تعالى في شأن الإماء: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥].

هذا هو الاتجاه، الاجتماعي في طابعه، وهذه بعض المسائل التي عرض لها التفسير الحديث، وهناك مسائل أخرى لم تفت المفسرين المحدثين، كالمساواة وبيان سنن الله في الاجتماع وتسامح الإسلام مع غير المسلمين، وبيان ما يسعد المجتمع من القواعد التي وضعها القرآن. كل هذه المسائل والمشكلات مما ألقاه ظل العصر الذي نعيش فيه، وحتمته البيئة الاجتماعية والثقافية كانت الطابع المميز للتفسير.

ولئن كنت أوجزت في ذكر بعض هذه الأمور، فلأننا سنمر بكثير منها حينما نعرض لمناهج المفسرين إن شاء الله، وسنرى من أقوالهم هناك ما يوضح ذلك.

على أن من الإنصاف أن يقال ليس المفسرون وحدهم عرضوا لهذه المسائل، بل إن كثيرًا من الكتاب قد عرضوا لها عرضًا موضوعيًا. كتب الشيخ شلتوت زحمه الله كتاب (القرآن والمرأة)، وكتب السباعي رحمه الله (المرأة بين الفقه والقانون)، والدكتور عمر فروح (الأسرة في الشرع الإسلامي) ولدروزه كتب في نفس الموضوع. كما كتب العقاد (الإنسان في القرآن) و (المرأة في القرآن)، وكتب

<<  <  ج: ص:  >  >>