البلاد الاقتصادي والاجتماعي بأسره فحسب، بل لجر البلاد أيضًا إلى حرب داخلية مدمرة، مثل الحرب التي ظهرت في البلاد الأمريكية لما أقدمت على إلغاء الرق (١). بل لظلت القضية على ظهور هذه الحرب بدون حل، كما بقيت قضية الزنوج بدون حل في أمريكا، فأعرض الإسلام عن هذا الطريق الخاطئ للإصلاح، وقام في البلاد بحركة شاملة قوية لمنح الأرقاء حريتهم، واستحث الناس بوسائل الترغيب والتلقين، وأحكام الدين وقوانين البلاد على أن يمنوا على أرقائهم بالعتق، ابتغاء نجاتهم في الآخرة، أو تكفيرًا لذنوبهم، حسب الأحكام الدينية، أو في مقابل مقدار معلوم من المال يأخذونه منهم.
فهذه الحركة القوية التي قام بها الإسلام في بلاد العرب، أعتق النبي -صلى الله عليه وسلم- بموجبها ثلاثًا وستين رقبة، وأعتقت إحدى نسائه وهي عائشة رضي الله عنها سبعًا وستين رقبة، وأعتق عمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في حياته سبعين رقبة، وأعتق حكيم بن حزام رضي الله عنه مائة رقبة، وأعتق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ألف رقبة، وأعتق ذو الكلاع الحميري رضي الله عنه ثمانية آلاف رقبة، وأعتق عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ثلاثين ألف رقبة. ونجد لهذا نظائر كيرة في حياة غير هؤلاء من الصحابة، من أبرزهم ذكرًا أبو بكر الصديق، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، فكأن الناس في ذلك الزمان، كان بهم ولوع شديد بفعل الخيرات ونيل رضا ربهم، فكانوا لأجل ذلك يعتقون أرقاءهم، ويشترون أرقاء غيرهم ويعتقونهم، حتى نال جل أرقاء الجاهلية حريتهم قبل انقضاء عهد الخلفاء الراشدين.
أما قضية الرق بالنسبة للمستقبل، فعالجها الإسلام بأن حرم تحريمًا باتًا أن يؤسر حر ويسترق فيباع ويشترى. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته. رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه
(١) لست مع المؤلف في إضرابه هذا، وليته اكتفى بالتعليل.