للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا من الآية بل حملوها على المجاز) (١).

ثم يقول وقوله تعالى: {وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ} إن هذه الآية أكبر مثال للعجب بهذا التعبير: أن العناصر التي يتكون منها النبات، مؤلفة من مقادير معينة، في كل نوع من أنواعه، بدقة غريبة لا يمكن ضبطها، إلا بأدق الموازين المقدرة من أعشار الجرام والملليجرام. وكذلك نسبة بعضها إلى بعض في كل نبات. أعني أن هذا التعبير بلفظ (كل) المضاف إلى (شيء)، الذي هو أعم الألفاظ العربية، الموصوف بالموزون - تحقيق لمسائل علمية فنية، لم يكن شيء منها يخطر ببال بشر قبل هذا العصر، ولا يمكن بيان معناها بالتفصيل إلا بتصنيف كتاب مستقل) (٢).

ويقول كذلك في قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: ٣٨] إلى قوله {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}، فهو موافق لما ثبت في الهيئة الفلكية، مخالف لما كان يقوله المتقدمون. ومنه الآيات المتعددة الواردة في خراب العالم عند قيام الساعة، وكون ذلك يحصل بقارعة تقرع الأرض قرعًا وتصخها فترجها، وتبس جبالها بسًا فتكون هباء منبثًا، وحينئذ تتناثر الكوكب والنجوم، وعلى إثبات ما تقرر في الهيئة الفلكية العصرية في ذلك، وفي نظام الجاذبية العامة. ويجد القارئ تفصيل هذا في عدة مواضع من هذا التفسير. فهذا النوع من المعارف التي جاءت في سياق بيان آيات الله وحكمه، كانت مجهولة للعرب، أو لجميع البشر في الغالب، حتى إن المسلمين أنفسهم، كانوا يتأولونها ويخرجوها عن ظواهرها لتوافق المعروف عندهم في كل عصر من ظواهر وتقاليد، أو نظريات العلوم والفنون الباطلة، فإظهار ترقي العلم لحقيقتها المبينة فيه ما يدل على أنها موحى بها من الله تعالى) (٣).


(١) تفسير المنار جـ ١ ص ٢١٠.
(٢) تفسير المنار جـ ٢ ص ٢١٠.
(٣) تفسير المنار جـ ١ ص ٢١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>