للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في آيات الأحكام. فليس ذلك عن قصور فيهم، وإنما يرجع إلى عدم توفر الإمكانات العلمية عن هذا الكون عندهم، وعند غيرهم من للناس، ومع هذا كله فرغم تقدم العلم في عصرنا، فلا زالت آيات القرآن غير موضحة دقائقها العلمية عن هذا الكون، اللهم إلا طرفًا يسيرًا منها. ويرجع السبب في ذلك إلى وراثة العقيدة التي كانت ولا تزال سائدة في الأذهان، بأن القرآن رسالة هداية وإرشاد، ولا شأن لها بالوصول إلى العلوم الكونية، وأن حديثه عن الكائنات لا يحتاج في فهمه، إلا لمجرد التعقل والخبرة العادية، وأنه بذلك لا يحوي دقائق أو تفاصيل عن طبائع الكائنات، تتطلب علمًا خاصًّا لإبانتها ودركها، ولأن الحديث عن الكون جاءت آياته مفرقة بين السور القرآنية، مخالفًا لما هو معروف لديهم في تصنيف الكتب العلمية (١).

لذلك كله أصبح ضروريًا أن يتعاون في تفسير القرآن، العالمون بأسرار الشريعة وفقه اللغات وبلاغتها، والعلماء الأخصائيون (٢) في مختلف العلوم، والنظر في خلق الله العجيب لبناء صرح إيمان قوي ثابت (٣). ذلك لأن القرآن جاء معجزًا في بلاغة أسلوبه وسمو معانيه وجوامع كلمه. وجاء معجزًا بما قصه من سير الأنبياء والمرسلين السابقين، التي ما كان يعلمها سوى علماء أهل الكتاب. وجاء معجزًا بما تضمن من تشريعات حكيمة ومثل عليا، تتفق مع إطباح البشر في كل مكان وزمان، تكميلًا لفطرتهم وضمانًا لسعادتهم وجاء معجزًا بما حوى من آيات العلم والمعرفة الصحيحة، عن الجانب المادي من الكون، مما لم يكن للناس علم به قبل نزوله أو بعده، حتى جاء العلم الحديث بوسائل بحثه الدقيق، المستندة إلى


(١) وأنا لست مع الأستاذ إن أراد أن يقول إن القرآن كتاب للعلم الكوني، قبل أن يكون كتاب هداية. ذلك أن هداية القرآن هي المقصد الأسمى فيه، بها إعجازه وخلوده. أما إن أراد أن يقول إن القرآن كتاب هداية وفيه إشارات علمية لدقائق هذا الكون، فهذا رأي لا غبار عليه.
(٢) الصحيح: الاختصاصيون.
(٣) المرجع السابق ص ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>