للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صادرة عن مصادر ضوئية ينشأ منها اللمعان. فيكون إذًا وصفه تعالى الضوء اللامع المتلالئ من سطوع ولمعان زجاج المصباح، يقول {نُورٌ عَلَى نُورٍ}، إشارة إلى أن هذا اللمعان ينبعث من تراكم أضواء عديدة منعكسة انعكاسًا كليًا، أي أنوار فوق بعض تتجمع في نقط مختلفة، داخل الزجاج قبل انبعاثها إلى الخارج، وأنه تعالى يخاطب بهذه الإشارة أهل الخبرة بحال الضياء. ولما كان الزجاج في اللغة معناه كلّ حجر شفاف، فنرى أن صورة المصباح المقصود في هذه الآية الكريمة على حسب وصفه تعالى، إنما هي شعلة فتيل كاملة الاحتراق والإضاءة، موضوعة في فجوة داخل حجر شفاف سميك من الأحجار الثمينة الطبيعية، ذات الكثافة العالية كالماس أو اللؤلؤ. التي كان العرب يعرفونها ولا يعرفون سبب لمعانها. ولا يجوز فهمه على أنه مصباح كالقناديل المعروفة لدى الجمهور، والمصنوعة من الزجاج العادي، لأن مثل هذا الزجاج لا تسمح كثقافته ولا سمكه، بحدوث ظاهرة اللمعان والسطوع المقصود في الآية) (١).

وأعتقد أنه لا داعي لمثل هذا البعد في التأويل، وأن الآية واضحة الأهداف ظاهرة المقصد، فالمصباح هو المصباح الذي يعرفه الناس، والمثل الذي جاءت به الآية مثل من واقع الناس، وإن قوله {نُورٌ عَلَى نُورٍ} تبعًا لهذا، إنما يقصد به مضاعفة هذا النور وقوة إشعاعاته.

وانطلاقًا من تفسير الضياء والنور وما بينهما من فارق، يقول الأستاذ حنفي: (إن الله تعالى أطلق على رسالته الضياء تارة والنور تارة أخرى. فالحالة الأولى (الضياء) هي الضوء الحسي الذاتي قبل وقوعه على الأجسام المظلمة وانعكاسه منها - قبل تبليغها للناس - والحالة الثانية (النور) وهي الضوء الحسي الذي ينعكس من الأجسام المظلمة بذاتها، بعد وقوعه عليها - بعد تبليغها للناس -.

وهذا تكلف في التأويل لا أخال سياق الآيات يساعده. وما دام التعبير بالضياء


(١) المرجع السابق ص ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>