ونحب أن نطمئن الكاتب إلى أن القرآن الذي أنزله عالم الغيب والشهادة والذي يعلم السر في السماوات والأرض، لا يمكن تعصيره، لأنه نزل ملائمًا لكل عصر، ولا تطوير معناه لأن معانيه ملازمة للجدة دائمًا. فهو خير مصلح للبشرية على اختلاف أزمنتها وأمكنتها، والتفسير التاريخي الاجتماعي الذي يريده الكاتب، لا يجرؤ مسلم يؤمن حق الإيمان بالله واليوم الآخر، وبقدسية القرآن، على القيام به كما يبتغيه الكاتب. ذلك أن الكاتب ينطلق من أرضية معينة ونظريات معينة. تلك النظريات التي تفسر كل شيء تفسيرًا ماديًا، فالتاريخ مثلًا ينبغي أن يفسر تفسيرًا ماديًا، فإذا قيل إن المسلمين انتصروا على الروم. قال هؤلاء نعم إن تفسير ذلك قوة المسلمين عدة، وكثرتهم عددًا، وحرصهم على المادة التي سيغنمونها، والاضطراب الداخلي في صفو أعدائهم، وهكذا يسوّغ هؤلاء حوادث التاريخ. كل ذلك ليطمسوا معالم القوة الروحية، وعامل العقيدة والدوافع الإيمانية والعناية الربانية، ولم يكتف هؤلاء بهذا التفسير المادي للتاريخ، بل تجاوزوا ذلك إلى الدين نفسه. وهذا ليس غريبًا بالطبع، فالدين ظاهرة تاريخية لها سبب إنساني كما يزعمون، فالإسلام ثورة قام بها النبي ليحارب الإقطاع ويقضي عليه، والقرآن إذن جاء من أجل هذا، وافترض ما افترض على الناس من أجل هموم مادية كما يسمونها.
فالصيام له معناه التاريخي والاجتماعي، بل الاقتصادي، والحج إلى مكة حيث الأسواق التجارية، والزكاة قصد منها تفتيت الثروة. وهكذا يقولون فيما شرعه القرآن {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: ٢٣] ولعل الكاتب يعبر عن ذلك كله بهذه الجملة الموجزة (ما ظل الإنسان يموت فهو بحاجة إلى الدين، لأنه يثير في نفسه القدرة على تحمل البؤس والشقاء). وهذا تمامًا يتفق مع العبارة القائلة (الدين أفيون الشعوب) والإنسان بحاجة إلى الدين إذن لأمر مادي يتصل برغبته.