المستهزئين، إلى أن يظهر الحق بالمجاهدة، وينتصر على الباطل بالمجادلة، فينسخ الله تلك الشبه، ويجتثها من أصولها، ويثبت آياته ويقررها. وقد وضع الله هذه السنة في الناس لتمييز الخبيث من الطيب يفتتن الذين في قلوبهم مرض، وهم ضعفاء العقول، بتلك الشبه والوساوس، فينطلقون وراءها، ويفتتن بها القاسية قلوبهم من أهل العناد والمجادلة فيتخذونها سندًا يعتمدون عليها في جدلهم، ثم يتمحص الحق عند الذين أوتوا العلم، ويخلص لهم بعد ورود كل شبهة عليه، فيعلموا أنه الحق من ربك فيصدقوا به، وتطمئن له قلوبهم .. ).
ثم يذكر المعنى الثاني، وملخصه أن التمني على معناه المعروف، وأن الأنبياء كانوا يتمنون اهتداء أقوامهم. والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان له المقام الأعلى في ذلك، مما يشهد له آيات القرآن الكثيرة، وأنه ما من رسولا ولا نبي إلا إذا تمنى هذه الأمنية السامية ألقى الشيطان في سبيله العثرات، ووسوس في صدور الناس فثاروا في وجهه وصدوه عن قصده. وإلقاء الشيطان فيها، يكون بما يلقيه في قلوب أمة الدعوة من الوساوس الموجبة لكفر بعضهم. لكن الله غالب على أمره، فيمحق ما ألقاه الشيطان في قلوب المؤمنين، ويبقى ذلك عز وجل، في قلوب المنافقين والكافرين ليفتتنوا به (١).
جـ - وكما أبطل الأستاذ الإمام قصة الغرانيق، بهذا البيان الذي لا يدع مجالًا لصاحب ريب، ولا يترك فرصة لذي شبهة، كر على مسألة أخرى، لا تقل في خطورتها عن مسألة الغرانيق، ذلك لأنها تتعلق مباشرة بشخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، من حيث عصمته، وعظمة خلقه. وهي من المسائل التي خدع بها بعض الكاتبين قديمًا، وأستغلها الحاقدون على الإسلام حديثًا. ويأبى الله إلا أن يهيء لهذا الدين، من ينفي عنه زيغ الضالين، وضلال المغضوب عليهم.