بلاد العالم الإسلامي تعيش هذا الخلاف، والتفرق منذ أمد بعيد. والمضحك المبكي أن الذين يقومون على هذا الخلاف، ويغذونه هم من أساتذة التوجيه الإسلامي، الذين يوجه المسلمون إليهم أنظارهم، ينتظرون منهم الخير. حتى لقد وصل الخلاف إلى مستوى الكتب تؤلف للجدل والتراشق بالتهم، بل إلى مستوى الأشرطة وجميع وسائل الاتصال الفكري المعاصر، حتى إنهم قد نقلوا هذا الخلاف إلى بلاد الغرب ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد حاولت جاهدًا يومًا، وتجشمت المشاق لإقناع زعماء كل من الفئتين، بأن ينبذوا ذلك ظهريًا، أو أن يتناسوه على الأقلّ، وأن يوجهوا نشاطهم لما فيه الخير لهذه الأمة، التي تفرقت شملًا، وتصدعت بنيانًا، ولكن عبثًا يحاول المحاولون. قال لي أحدهم لقد حاكمت الغزالي غيابيًا. قال: ولكنه خفف الحكم عليه، واكتفى بتجريده من لقب حجة الإسلام! ومقابل هذا طلع علينا أحد أساتذة كلية الشريعة في جامعة دمشق بكتاب عنوانه (اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الدين الإسلامي)، وكتاب آخر اسمه (باطن الإثم) جنّد فيهما جهده للطعن في كل من لم يتمذهب أو يتصوف.
هذا واقعنا وهو يستحق المعالجة والحكمة، وكان من الممكن أن يجتمع المسلمون على ما اتفقوا عليه، وهو كثير، ويعذر بعضهم بعضًا فيما اختلفوا فيه وهو قليل. وأنه بإمكان أي إنسان يريد الخير لأمته، أن يأخذ الحكمة أيًا كان صاحبها، وأن يكون متصوفًا وسلفيًا في الوقت نفسه، ما دامت غاية التصوف تهذيب الروح وغاية السلفية سلامة العقيدة، فهما يلتقيان في طريق واحد، ولكن شريطة أن يُنحَّى الغلو والتطرف جانبًا.
وخير مثال لهذا الطراز من الناس الذبن سلكوا تلك الطريقة الفضلى، مفسرنا رحمه الله، فلقد استطاع أن ينهل من مورد المتصوفة، وأن يرتشف من نمير السلفية، دون أن يطغى أحدهما على الآخر، وإنما هي جداول تلتقي معًا.
لقد استطاع محمد عبده أن يرتفع فوق هذه الخلافات، فأعطى بذلك درسًا