ومعظم أسانيد هذا الحديث مروية من طريق سماك بن حرب. قال الترمذي بعد إيراده: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب، فإذا علمنا هذا وعلمنا أن سماكًا قال في شأنه ابن معين حينما سئل عنه: ما الذي عابه؟ قال: أسند أحاديث لم يسندها غيره وهو ثقة، وكان الثوري يضعفه بعض الضعف، وقال النسائي: ليس به بأس وفي حديثه شيء، وقال صالح بن محمد: يُضَعَّف، وقال ابن خراش: في حديثه لين.
وقال النسائي: كان ربما لقن، فإذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن فيتلقن. ومن هنا أدركنا أن هذا الإسناد عليه إشكال لا يزيله تحسين بعض المحدثين له كما صنع ابن حجر -رحمه الله تعالى- اعتمادًا على الشواهد والمتابعات وذلك أن الشواهد التي تذكر ليست تفسيرًا للآية الكريمة والمتابعات لا تصح، وعلى فرض تجاوزنا وسكوتنا عن هذه الإشكالية، تبقى مسألة أخرى، وهي: هل بعض المرفوعات للنبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكره أن المغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى تفسير للآية بحيث لا تقبل مخالفته، ومثل ذلك الآثار الموقوفة على الصحابة -رضوان الله عليهم- ومن تابعهم من التابعين؟
في ظني أن الأمر فيه سعة، وليس بالصورة الضيقة التي يظنها بعض الناس من أن التفسير قد اقتصر على اليهود والنصارى، بحيث لا يتجاوزهم إلى من هو أسوأ منهم.
وعلى أي حال فإن تفسير الشيخ -رحمه الله- لا يخالف الآثار المروية في ذلك ولا يعد في هذا المثال متأثرًا بالعقل، وإنما ذكرناه ها هنا لندرك بيان الفرق فيما يكون فيه الشيخ متأثرًا بالصبغة العقلية وما لا يكون كذلك.
وتظهر هذه النزعة العقلية أيضًا، عند تفسير قول الله تعالى:{وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}[البروج: ٣] من سورة البروج. فلقد ضرب الإمام صفحًا عن كل الروايات التي وردت في تفسيرهما (١) -كما رأينا ذلك سابقًا- وكذلك عند تفسير قول الله تعالى: