للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوباء بأجسامهم ما يندر وقوع مثله، فكان لحمهم يتناثر ويتساقط. فذعر الجيش وصاحبه، وولوا هاربين، وأصيب الحبشي ولم يزل يسقط لحمه قطعة قطعة، وأنملة أنملة حتى انصدع صدره ومات في صنعاء، هذا ما اتفقت عليه الروايات، ويصح الاعتقاد به، وقد بينت لنا هذه السورة الكريمة أن ذلك الجدري أو تلك الحصبة، نشأت من حجارة يابسة، سقطت على أفراد الجيش بواسطة فرق عظيمة من الطير مما يرسله الله مع الريح. فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض، أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض -وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس، الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات، فإذا اتصل بجسد، دخل مسامه، فأثار فيه تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه. وأن كثيرًا من هذه الطيور الضعيفة من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر. وأن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن بالميكروب، لا يخرج عنها، وهو فرق وجماعات لا يُحصي عدَدها إلا بارئُها .. وهذا ما يصح الاعتماد عليه في تفسير السورة وما عدا ذلك فهو مما لا يصح قبوله، إلا بتأويل إن صحت رواياته) (١).

ولا أدري بم يفسر الأستاذ رحمه الله الحجارة، التي أرسلها الله على قوم لوط وما هو نوع الميكروب الذي كانت تحمله، ومثل ذلك ريح عاد وصيحة ثمود؟ .

والحق أن مذهب الأستاذ ومسلكه في تضييق نطاق الخوارق، وتأثره بالفلسفات المادية، وافتتانه بمعطيات الحضارة الغربية، التي تفسر كل شيء تفسيرًا ماديًا حتى التاريخ، كل ذلك واضح من خلال مواضع كثيرة في تفسيره، وبخاصة تفسير هذه السورة. إن الميكروبات حينما تظهر، لا تفرق بين عربي وحبشي، فإذا ابتلي بها قوم دون آخرين فذلك لا شك شأن إلهي، وإن لم تدركه عقولنا، فحري بنا إذن أن نبقي مثل هذه الشؤون الإلهية الخاصة كما جاء بها الشرع، وألا نحاول أن نخضعها


(١) تفسير جزء عم ص ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>