(وإني لما استقللت بالعمل بعد وفاته، خالفت منهجه رحمه الله تعالى، بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنّة الصحيحة، سواء كان تفسيرًا لها أم في حكمها، وفي تحقيق بعض المفردات والجمل اللغوية، والمسائل الخلافية بين العلماء، وفي الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة، وفي بعض الاستطرادات لتحقيق مسائل تشتد حاجة المسلمين إلى تحقيقها، بما يثبتهم بهداية دينهم في هذا العصر، أو يقوي حجتهم على خصومهم من الكفار والمبتدعة، أو يحل بعض المشكلات التي أعيا حلها بما يطمئن به القلب، وتسكن إليه النفس. وأستحسن للقارئ أن يقرأ الفصول الاستطرادية الطويلة وحدها، في غير الوقت الذي يقرأ فيه التفسير، ليتدبر القرآن والاهتداء به في نفسه، وفي النهوض بإصلاح أمته وتجديد شباب ملته - الذي هو المقصود بالذات منه - وأسأله أن يخصني والأستاذ بدعواته الصالحة (١).
وهكذا ولد هذا التفسير، وهنا مسألة مهمة لا بد من بيانها، وهي: ما جاء في أجزاء المنار الأولى، منسوبًا للشيخ محمد عبده، أهو له بالفعل؟ أم أن الشيخ رشيدًا كان له فيه شيء من التحوير والتبديل والزيادة والنقص؟ .
لقد رأيت لبعض الكاتبين كلامًا في هذا الموضوع، يفهم منه التشكيك في هذه المسألة، وهذا في رأيي لا يصح أبدًا، فرشيد كان رحمه الله أمينًا، وهو الذي حفظ لنا تراث الأستاذ، وهو الذي كان يخالفه أو يستدرك عليه، ولقد بلغت أمانته أنه بعد أن توفي الإمام حيث رأى أن من الأمانة ألا يعزو إليه ما كتبه عنه، أو حفظه منه حفظًا وصار يكثر من القول:(قال ما معناه)، أو (ما مثاله)، أو (ما ملخصه).
يقول رحمه الله عند تفسير سورة الفاتحة: (كان غرضنا الأول من كتابة تفسير الفاتحة، ونشره في المنار هو بيان ما نستفيده من دروس شيخنا الأستاذ الإمام مع شيء مما يفتح الله به علينا بالاختصار، فلذلك اختصرنا فيما كتبناه أولًا، ثم لما طبعنا تفسير الفاتحة على حدته مرة ثانية زدنا فيه بعض زيادات، وكان بدا لنا أن