للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يحاول صاحب المنار أن يضعف الحديث (لا وصية لوارث)، بحجة أن الشيخين لم يروياه مسندًا لعدم ثقتهما به، وأن البخاري قد رواه موقوفًا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأنه لا يعقل أن ينسخ القرآن بالحديث، لأن هذا الحديث ربما لم يقله الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو قاله رأيًا. وعجيب هذا من السيد وأعجب منه أنه رد أحاديث رواها الشيخان أنفسهما، ولكنه صحح أحاديث لم يروياها، كما سنرى، والقول بأن الشيخين لم يخرجاه لعدم ثقتهما به قول مردود، لأن من المعلوم أنهما لم يلتزما بإخراج جميع الصحيح. وأما رواية البخاري له موقوفًا على ابن عباس، فإن الحافظ قال في (الفتح) (١): إن له حكم المرفوع لأنه في تفسيره -أي ابن عباس- إخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع بهذا التقرير.

ولكن الشيخ تناسى هذا القول أو أغفله، والأغرب من ذلك قوله (بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ربما لم يقله أو قاله رأيًا). وهذا غير وارد لأن العلماء جزاهم الله خيرًا، قد بينوا لنا ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- وما لم يقله، والرسول الكريم لا يمكن أن يقول رأيًا في الدين، وعلى التسليم بذلك، فإما أن يقره الوحي أو يرده.

وبعد: فحديث (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) (٢) تلقته الأمة بالقبول، وأجمع جمهور الأئمة على صحته. يقول الشافعي رضي الله عنه (٣):


(١) فتح الباري جـ ٦ ص ٣٠٢.
(٢) رواه عمرو بن خارجة، وقد أخرج روايته النسائي في السنن في كتاب الوصايا، باب إيطال الوصية للوارث.
وابن ماجة في كتاب لا وصية لوارث حديث (٢٧١٢).
والترمذي في أبواب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث حديث (٢١٢).
والإمام أحمد في مسنده (٤/ ١٨٦، ١٨٧، ٢٣٨، ٢٣٩). والبيهقي في كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ورواه أبو أمامة، أخرج روايته أبو داود في السنن في كتاب الوصايا باب ما جاء في الوصبة للوارث، حديث (٢٨٧٠)، وابن ماجة حديث (٢٧١٣)، والترمذي حديث (٢١٢٠)، قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، وأحمد في مسنده (٥/ ٢٥٧).
(٣) الأم جـ ٤ ص ٣٦ مطبعة دار الشعب.

<<  <  ج: ص:  >  >>