للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التطواف والتجوال يصل بنا الشيخ لتقرير ما يلي: أن روايات الحديث مضطربة، وإن وردت في صحيح مسلم وغيره من كتب السنن، وأن هذه الرواية تتعارض مع قدسية القرآن، ومن هنا يحكم الشيخ بوجوب رد الحديث.

والحديث روته عمرة عن السيده عائشة رضي الله عنها، وإنه لمن السهل الإجابة عن تساؤلات الشيخ: أما عن التدرج من عشر إلى خمس، فتلك حكمة الله في أحكامه، وأما عمن تزوج من رضع معها أقل من عشر وأكثر من خمس، فمع أن هذه لم تحك الروايات وقوع مثلها، إلا أنّا نقول: إن هذا تزوج حسب حكم صحيح، وإن الله أكرم وأرحم من أن يضيق عليه بتطليق زوجته، ولكن الطامة الكبرى تكمن في رد الحديث، ومن لين الشيخ في رد الأحاديث، إلا أن سياسته كما يقول، أنه لا يرد الحديث إلا بعد تعذر الجمع بينه وبين القرآن والحق أن من أخطر الأمور رد الأحاديث الصحيحة، فإنها مسألة لها ما وراءَها من مضاعفات فتاكة، ونتائج هدامة لهذا الدين.

- وقد عرف عن الشيخ، بأنه يحل كل معضل، ويرد كل مشكل، حتى ولو اتفق المفسرون على إعضاله وإشكاله - وقد بينه الأئمة. يقول الإمام النووي رضي الله عنه: (إن النسخ بخمس رضعات، تأخر إنزاله جدًّا، حتى إنه -صلى الله عليه وسلم- توفي وبعض الناس يقرأ خمس رضعات، ويجعلها قرآنًا متلوًا، لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى (١).

ويقول الشوكاني رحمه الله: (ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير، لكان سنّة لكون الصحابي راويًا له عنه -صلى الله عليه وسلم-، لوصفه له بالقرآنية وهو يستلزم صدوره عن لسانه، وذلك كاف في الحجية، لما تقرر في الأصول من أن المروى آحادًا، إذا انتقى عنه وصف القرآنية، لم ينتف وجوب العمل به كما سلف) (٢).


(١) صحيح مسلم، شرح النووي جـ ١٠ ص ٢٩.
(٢) نيل الأوطار (٦/ ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>