إن قضية المتشابهات وكونها مما استأثر الله بعلمه، لم تكن من القضايا المعروفة زمن الصحابة أو مما يشغلهم، فهم يعلمون أن من القرآن ما هو محكم وما هو متشابه، ولكنه لم يرد عنهم أن المتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى، إنهم كانوا يفهمون القرآن الكريم باعتبارهم أهل الفصاحة والبلاغة، ولذا لم يكونوا ليسألوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا عن أمور غابت عنهم، لأن القرآن الكريم إلى جانب كونه كتابا عربيًا، فهو كتاب سماوي من عند الله تعالى.
٣ - يذكر الكاتب أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى الصحابة في البداية عن قراءة التوراة خوفًا من الخلط والتشويه والتشكيك، ثم لما رسخ الإسلام لم يبق حرج في الاطلاع فأباح لهم ذلك .. وهذا يخالف ما أرشدهم إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فإنه عليه السلام كان ينهى الصحابة عن الرجوع إلى أخبار أهل الكتاب، فها هو عليه الصلاة والسلام ينهى عمر بن الخطاب حينما رآه يقرأ صحيفة من التوراة وقد غضب، يقول له (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم، وقد ضلوا وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني)(١) وهذا ابن عباس وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهم جميعًا - يفهمون ما أرشدهم إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فينهون عن الرجوع إلى أهل الكتاب، ولو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - سمح لهم بالإطلاع، لما ثبت عن الصحابة النهي عن الرجوع إلى أهل الكتاب، وستأتي هذه القضية مفصلة إن شاء الله.
٤ - يرى الكاتب أن الزمخشري في كشافه قد اهتم بالمسائل اللغوية والتخريجات النحوية. والمطلع على الكشاف يرى الزمخشري قد اهتم بالمسائل اللغوية حقًّا، سواء ما يتعلق بأصل الكلمة والاستشهاد لها مما ورد في شعر العرب، أم ما يتعلق بالبلاغة والبيان، أما التخريجات النحوية فإن الزمخشري لم يعن بهذه القضية كثيرًا، فهو في كثير من الأحيان - إن عرض لهذه القضية - يكتفي بوجه واحد للإعراب، ولا يعنى بتلك التخريجات كما كان ممن جاء بعده.