وبالإسلام كان لنا التفاف. . . لدوحته فتخشانا الشعوب
فكاد له بنو الإلحاد كيدًا. . . وعابوه وليس له ذنوب
وأعماهم عنادهم وصموا. . . وحقًّا إنها تعمى القلوب
ومع كل هذا فإن الله يقيض لهذا الدين على مدة الزمن، من ينفي عنه تحريف المبطل، وزيغ الضال، وكيد الماكر، وحقد الحاقد، وهم ورثة الأنبياء، وهم الذين يقول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عنهم (لا تزال طائفة من أمتي قائمة على هذا الدين، لا يضرهم من غالبهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)(١).
ولقد امتازت الحقبة الزمنية التي عاشها صاحب المنار بضروب كثيرة من هذا الهجوم المركز، ذلك أن فتنة الناس بمدنية الغرب وطفرة المادية، كانت على أشدها، وزاد في ذلك ما أصيب به المسلمون من هزات عنيفة في الحرب والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من مرافق الحياة، فلا بد إذن من أن يشمر كل عالم عن ساق الجد، ويفرغ كنانته ويعجم عيدانها، ليرد السهام إلى كبد راميها، ولقد كان رشيد من هؤلاء، وقد ظهر ذلك واضحًا في تفسيره، فهو يدحض شبهات المستشرقين تارة، ويكشف زيف افتراءات الكنيسة تارة، ويصحح العقائد المزلزلة في نفوس المستغربين تارة ثالثة، ويبين خطورة المذاهب الداخلية والنحل الباطنية، كالبهائية والقاديانية وغيرهما، كل ذلك بأسلوب واضح، وحجة دامغة تتبختر اتضاحًا، مضمنًا ذلك كله الميزات التي يمتاز بها هذا الدين، فلقد رد على منكري الوحي عمومًا، وعلى الخصوص منكري الرسالة المحمدية، وبين أن الإسلام دين الفطرة والعقل، كما رد على منكري الجن -وهذا يدحض ما اتهم به من أنه منكر لوجودهم- وكذلك وضح سبق الإسلام في تحرير الرقيق والمرأة، وتكلم عن مقاصد القرآن في تربية النوع الإنساني، وأظهر عظمة القرآن في ما شرعه من نظم مالية وحربية وسياسية وغير ذلك، وأورد هنا نماذج من دفاعه عن الإسلام، كتبها في ثنايا تفسيره لسورة يونس: