للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما: أن الشيخ كان مثالًا للخلق الكريم مع من سبقه من المفسرين، فلا حدة ولا غلظة، وإنما أدب جم فيه عرفان الجميل وجميل العرفان، وهذه لعمر الحق من أعظم مزايا العلماء.

والمنقبة الثانية: جرأته في الحق، فلقد كانت دروس الشيخ يستمع إليها أكبر رجال الدولة، بل أكبرهم على الإطلاق، ومع ذلك كان لا يجامل على حساب دينه، بل لا يتردد في إسداء النصح وبيان ما يجب على الحاكم.

نستمع إليه عند تفسيره قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: ٦] يقول: (من الناس فريق مؤمن بالقرآن إجمالًا، وبرسالة محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويعظمها ويحترمها، فإذا قلت له لم لا تقطع يدَ السارق، وتحد القاذف، ولم لا تحكم القرآن في الحياة ونحن مؤمنون به؟ هز كتفيه فابتسم أو زاد، إنها رجعية لا يحتملها تمدين العصر الحديث).

وعند تفسير قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦].

يقول: (والتثبت في الأخبار فضيلة ليست عند أكثر الناس، وأكثر الناس يقعون في تصديق الأخبار من حيث لا يشعرون، ولبعض مهرة الكاذبين حيل تخفى على أشد الناس تثبتًا من الأخبار، وكثيرًا ما يقع عدم التثبت من الحكامِ الذين يملكون النفع والضرر، يجيئهم ذلك من ناحية استبعاد أن تكذب بطانتهم عليهم، وهو مدخل للخطر عظيم، والذين هم في أشد الحاجة للعمل بهذه الآية، ولا نفعًا فحاجتهم إليها أقل من حاجة هؤلاء، والآية على العموم أدب عظيم، لا بد منه لتكميل النفس وإعدادها، لتعرف الحق والبعد عن مواطن الباطل) (١).


(١) تتبين جرأة الشيخ رحمه الله وصراحته وحكمته إذا عرفنا أن هذه الدروس كانت تلقى في حضرة فاروق ملك مصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>