وهو عالم الجن، وهو عالم لم يعرف في الإسلام إلا من طريق الوحي، وليس للعقل دليل عليه، ولقد أصبحت هذه العوالم المستترة عنا الشغل الشاغل اليوم للعلماء والباحثين، فصار علماء أوروبا يدرسون عالم الملائكة وعالم الجن وعالم الأرواح، ويطلعون على غوامض هذه العوالم، فتحدث الناس مع أرواح أصحابهم الذين ماتوا، واتصل العالم الإنسي بالعالم الجني وبعالم الأرواح الطاهرة وهم الملائكة ...
وجاء في كتاب (إخوان الصفا) - أن الأحياء بعد الموت، هم الموسوسون إن كانوا أشرارًا، وهم الملهمون الناس الخير إن كانوا أخيارًا.
واعلم أن ما جاء في هذه السورة من السمعيات التي لا دليل عليها من العقل، قد بقى في الإسلام حوالي أربعة عشر قرنًا تتلقاه الأمة بالقبول جيلًا بعد جيل، دون بحث عن حقائقه، حتى عني علماء أوروبا في العصر الحديث بالبحث عنه، فظهر لهم أن الأرواح الناقصة تسمع كلام الناس وتهتدي به. وأنها لا تعرف ما فوق طاقتها ... فلا تهتدي بهدي الأرواح العالية، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قد ارتقى في العلم إلى حد لا يمكن للارواح الناقصة أن تتعلم منه، فما أشبه حالهم بحال الجهال، الذين يسمعون من أبنائهم المتعلمين العلم ولا يفهمونه، وما مثل حال الأرواح الناقصة بعد الموت، إلا مثل حالها المشاهدة في الدنيا، فإنا نرى الجهال لا يجلسون في مجالس العلم، فهم في الحياة الدنيا ممنوعون من السمع، وقد يشتد المنع إذا كان في السماع مفسدة، كمعرفة الأسرار الحربية والخطط السياسية، التي ينبغي أن تبقى سرًّا مكتوبًا بين الدول، وهذا المنع الذي نشاهده، أشبه بالمنع من استراق السمع لأنه إنما كان لحفظ الدرجات، وهي المعارج لأربابها.
ومن المؤلم للنفس الباعث على الأسف، أن نجد من علماء المسلمين، وممن يتصدون لتفسير القرآن، من يقرر مثل هذه الترهات، وإنه فيما كتبه الأستاذ المراغي خطأين اثنين: